طريق الخلاص الإخلاص
بقلم الشيخ : أسامة بن علي سليمان
إدارة شئون القرآن بالمركز العام
الحمد للَّه وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد :
فإن الإخلاص شرط في قبول الأعمال ، فإن فقد الإخلاص حبط العمل ، يقول سبحانه : { وَمَا أُمِرُوا إِلاَ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء } [ البينة : 5 ] .
ويقول سبحانه : { لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَدِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ } [ الحج : 37 ] .
والإخلاص هو إفراد الحق سبحانه وتعالى بالقصد في الطاعات ، أو هو تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين ، وإحضار النية في جميع الأعمال الظاهرة والباطنة ، والإخلاص عزيز نادر ، ولذلك قال سهل بن عبد اللَّه عندما سُئل : أي شيء أشد على النفس ؟ قال : الإخلاص ؛ لأنه ليس لها فيه نصيب .
وقيل أيضـًا : من سلم له في عمره لحظة واحدة خالصة للَّه تعالى نجا .
فكم من عمل صغير كثرته النية ، وكم من عمل كثير صغرته النية ، ولذلك قال الفضيل بن عياض : ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك اللَّه منهما .
ولذلك كان سلفنا الصالح ، رضوان اللَّه عليهم ، يجتهدون في إخلاص الأعمال للَّه عز وجل ، ويجردون أعمالهم من حظ النفس .
يقول الشافعي رحمه اللَّه : وددت أن الناس تعلموا هذا العلم – ما في كتبه – ولا ينسب لي منه شيء .
ويقول الحسن ، رحمه اللَّه : كان الرجل يكون عنده زواره فيقوم من الليل يصلي ولا يعلم به زواره .
وكانوا يجتهدون في الدعاء ، ولا يسمع لهم صوت ، وكان الرجل ينام مع امرأته على وسادة فيبكي طول ليلته وهي لا تشعر .
قال أيوب السختياني ، رحمه اللَّه : ما صدق عبدٌ قط فأحب الشهرة . وقال يحيى بن معاذ : لا يفلح من شممت رائحة الرياسة منه ، وقال رجل لتميم الداري : ما صلاتك بالليل ؟ فغضب غضبـًا شديدًا ، ثم قال : لركعة أصليها في جوف الليل في سر أحب إليَّ من أن أصلي الليل كله ، ثم أقصه على الناس .
وكان الربيع بن خيثم ، رضي اللَّه عنه ، يأتيه الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه ، وما رؤي رضي اللَّه عنه متطوعـًا في مسجد قومـه إلا مرة واحدة .
ويقول ابن مسعود ، رضي اللَّه عنه : لا تَعَلَّموا العلم لتماروا به السفهاء ، أو لتجادلوا به الفقهاء ، أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم ، وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند اللَّه ، فإنه يبقى ويذهب ما سواه .
وقال بشر الحافي : لأن أطلب الدنيا بمزمار ، أحب إليَّ من أن أطلبها بالدين .
وقال مطرف بن عبد اللَّه : صلاح القلوب بصلاح العمل ، وصلاح العمل بصلاح النية .
ولذلك عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر ، والرجل يقاتل ليرى مكانه ، فمن في سبيل اللَّه ؟ قال : (( من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه )) . متفق عليه .
فالكل موتى ، ولكن اختلفت المنازل باختلاف النيات والمقاصد ، وعندما سُئل أيضـًا صلى الله عليه وسلم عن الرجل غزا ليلتمس الأجر والذكر ما له ؟ قال : (( لا شيء )) . رواه النسائي ، وحسنه الألباني .
وروى ابن ماجه في (( سننه )) عن أبي الدرداء ، رضي اللَّه عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم من الليل فغلبته عينه حتى أصبح كُتب له ما نوى ، وكان نومه صدقة عليه من ربه )) .
واللَّه عز وجل أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملاً أشرك فيه مع اللَّه تركه اللَّه عز وجل وشركه .
ولذلك فمجاهدة النفس من الشرك الخفي وهو الرياء أمر عظيم ؛ لأن الرياء محبط للعمل ، والرياء من صفات المنافقين ، يقول سبحانه في وصفهم : { يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 142 ] .
والرياء باب خطير من أبواب الشيطان الرجيم ، من ولجه هلك ، وبعض أبوابه أشد من بعض ، وهو أخفى من دبيب النمل ، كما بين ذلك المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وأحب الناس إلى اللَّه التقي الخفي الذي إذا غاب لم يفقد ، وإذا حضر لم يطلب .
ففي (( صحيح مسلم )) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة فأفاء اللَّه عليه فقال لأصحابه : (( هل تفقدون لنا من أحد ؟ )) قالوا : نعم فلانـًا وفلانـًا ، ثم قال : (( هل تفقدون من أحد ؟ )) قالوا : لا ، قال : (( لكني أفقد جُليبيبـًا فاطلبوه )) . فطلب في القتلى ، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ، ثم قتلوه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عليه ، فقال : (( قتل سبعة ، ثم قتلوه ، هذا مني وأنا منه ، هذا مني وأنا منه )) . ثم وضعه النبي صلى الله عليه وسلم على ساعديه ليس له إلا ساعدا النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم حفر له ووضع في قبره . ولم يذكر غسلاً .
وللإخلاص ثمرات يجنيها المسلم في الدنيا ، فضلاً عن أجره العظيم في الآخرة ، فمنها :
1- عدم الاهتمام بثناء ا