شبهات حول البيت المسلم
ضمانات لمنع الطلاق
بقلم: محمد جمعة العدوي
تحدثنا في مقال سابق عن ضمانات الإسلام لمنع الطلاق، وقلنا إنها ضمانات كفيلة بمنح الحياة المطمئنة، وتكلمنا عن المرحلة الأولى من مراحل الخلاف بين الزوجين وكيف عالجها الإسلام علاجًا أولياً.
وتأتي المرحلة الثانية من مراحل العلاج وهو ما يسمى ” بنشوز المرأة” أي عصيانها لزوجها، والإسلام كما قلنا يقرر من البداية أن النساء ناقصات عقل ودين، وأن التعامل معهن يجب أن يكون على هذا الأساس. فنشوزها لا يوجب بتر الحياة الزوجية أو الحكم عليها بالفشل، ولكن قوامة الرجل على المرأة توجب عليه أن يترفق في العلاج، وهذا العلاج يبين الله مراحله بقوله: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} والوعظ غالبًا يكون بكتاب الله وسنة رسوله، كأنه يقول لها ما قال رسول الله: ” أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح”، والتدرج الثاني: ” واهجروهن في المضاجع”، فإن من النساء من يشق عليها أن يتجاهلها زوجها أو يهجر مضجعها، فإن ذلك في حد ذاته صغار ومذلة لها، وفوق ذلك فإن الهجر يهيج فيها عواطفها، فإذا كان الخلاف طارئًا فإنها إما أن تسعى إليه أو لا تصده إذا أقبل إليها، أما التدرج الثالث: فهو قوله تعالى: ” واضربوهن” ضربًا غير مبرح، فإن من النساء من لا تردع إلا بالضرب… لكن ذلك كله قد لا يأتي بنتيجة.
هنا يأتي دور ” المرحلة الثالثة” وهي التي توحي أن الخلاف بين الزوجين في تصاعد، وأن الزوج بمفرده عاجز عن العلاج، لأن الخلاف أكبر منه. وعليه فلا بد من نقله خارج محيط الزوجين… والقرآن يحدد طبيعة تلك المرحلة بقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا}.
والجمهور من العلماء على أن الخطاب في ” خفتم” للأمراء والحكام… وهؤلاء عليهم أن يقرروا طبيعة المرحلة التي تستدعي ” السرية والكتمان”، ولن يقدر طبيعة الموقف إلا أهل الطرفين ومن هنا كان الشرط {حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا}.. وهؤلاء الحكام أو الوسطاء يحذرهم رسولنا بقوله: ” ليس منا من خبب- يعني أفسد- امرأة على زوجها”… ويدخل أيضًا في هذه المرحلة نشوز الرجل من زوجته وإعراضه عنها، ومن أسبابه غالبًا برود العلاقات الزوجية بفقدان عنصر الحب لسبب من الأسباب.
ولمثل هذه الحالة يذكر الإسلام الرجل الناشز بخلق ” الوفاء” الذي يجب أن يتحلى به كل مسلم، حتى لا يتنكر لماضيه مع من عاشرته في السراء والضراء، ” يروى أن أبا أيوب الأنصاري ذهب إلى الرسول وقال له: أريد أن أطلق أم أيوب. قال له: إن طلاق أم أيوب لحوب” أي إثم كبير. وقد ذهب أحد المسلمين إلى عمر رضي اللَّه عنه وقال: أريد أن أطلق امرأتي. فسأله لماذا؟ قال: لأني لا أحبها، فرد عمر: ويحك، أو كل البيوت بنيت على الحب؟ فأين التراحم والوفاء؟ والقرآن يتحدث عن نشوز الرجل في قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ}، وترى القرآن يختم آية نشوز الرجل بقوله تعالى: {وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}، ويؤكد القرطبي أن هذا خطاب للأزواج، أي أن تحسنوا وتتقوا في عشرة النساء بإقامتكم عليهن مع كراهتكم لصحبتهن واتقاء ظلمهن فهو أفضل لكم… وعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا.
وتأتي المرحلة الرابعة: وهي التفكير في الطلاق والإقبال عليه… والإسلام لا يعترف بالمواقف الانفعالية التي تنهي الحياة الزوجية بالطلاق، لأنها حالات قهرية ليس للإنسان اختيار فيها… فكل طلاق يستشعر الإنسان معه أنه مسلوب الإرادة لا ينعقد. ومن هذه المواقف طلاق “الغضبان” يقول رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: ” لا طلاق ولا عتاق في إغلاق”. وقد فسر الإغلاق بالغضب. فالغضبان لا يعتد بحكمه في كل شيء. وقد ثبت أن رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم قال: ” لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان”، فقضاء الغضبان وحكمه في أي موقف لا ينظر إليه، لأنه مسلوب الإرادة بواسطة هذا الغضب. ولهذا يقول ابن قيم الجوزية في كتابه إغاثة اللهفان: ” إن الغضبان الذي انغلق عليه القصد وقد صار إلى الجنون العارض أقرب منه إلى العقل الثابت أولى بعدم وقوع طلاقه من الهازل المتلفظ بالطلاق في حال عقله وإن لم يرد بقلبه”. وبناء عليه فإنا نقرر أن أكثر حالات الطلاق من هذا النوع الذي لا يعتد به.
أما المرحلة الخامسة: فهي صدور الطلاق من الرجل والتلبس به… والإسلام لا يقر فسخ الحياة الزوجية بمجرد صدور الطلاق من الرجل، ولكنه يعطيه الفرصة لمراجعة نفسه في المرة الأولى، فربما يندم على موقفه، لأنه تسرع في اتخاذ هذا القرار، وهو ما ي