شهر رمضان
بقلم: فضيلة الشيخ محمد على عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعــة
لقد ميز الله شهر رمضان المبارك بخصائص من الخير والبركة، لا تكون في غيره من الشهور، وتفضل الله بالمغفرة والرضوان على من قام بصيامه إيماناً واحتساباً، وكم لله فيه من نفحات: فهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
ولما لهذا الشهر من عظيم القدر عند الله، إختاره لنزول القرآن فيه، وفرض صيامه على الأمة: ?شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر}.
ولا شك أن صيام رمضان، يكون بمثابة واعظ من خير الواعظين، ومرشد إلى الخير لو فطن إلى معانيه الصائمون.
1- ففي الصيام تعويد على الصبر، سواء كان صبراً على حبس النفس عن الشهوات، أو صبراً على الشدائد كشدة الجوع والعطش، وجزاء ذلك أجر لا يعلم مقداره إلا علام الغيوب، قال تعالى ?إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
2- وفيه تعويد الاخلاق الفاضلة لما يستوجب الصيام من الصائم، أن يكون عف اللسان بعيداً عن الفحش من القول كالغيبة والكذب فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم ” من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”، ومن ذلك ينبغى على الصائم أن تتغلب عليه صفة التسامح مع الناس، فقد قال صلى الله عليه وسلم ” الصوم جنة أى وقاية ” فمن كان صائماً فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل إنى صائم إنى صائم”.
3- تذكير الأغنياء بالفقراء والمحتاجين، لأن الصائم الغنى يحس بألم الجوع، فيوحى ذلك إليه بالعطف على المساكين، وفي حديث ابن عباس: كان النبى صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة.
4- ومن فوائده الصحية: تعويد الإنسان الأكل في مواعيد معينة، لأن الصائم يأكل مرتين، كلتاهما في موعد معين، الأولى قبيل الفجر، والثانية عند غروب الشمس، ومعلوم أن تنظيم مواعيد الأكل، أمر تدعو إليه قواعد الصحة، وينادى به الأطباء، حرصاً على سلامة الأبدان.
5- استراحة المعدة أثناء النهار من تناول الطعام طوال شهر كامل، فيذهب عنها ما كانت تشكو منه ” وما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه” والمعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء- وبهذا يتضح أن الصوم أفضل أنواع العلاج للمعدة.
6- ومن أجل ذلك يوصى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فيقول “إياكم والبطنة- أى ملء البطن بالطعام- فإنها مكسلة عن الصلاة ومفسدة للجسم، ومؤدية إلى السقم وعليكم بالقصد في قوتكم، فانه أصح للبدن وأبعد من السرف، وأقوى على العبادة”.
والأمر يطول لو استقرأنا مزايا الشهر الكريـم
الناحيتين الخلقية والصحية، كان النبى صلى الله عليه وسلم يستقبله، بما يستقبل الحبيب الحبيب، ويستعد للقيام بحقه خير قيام، وذلك بكثرة الصيام في شعبان ترويضاً للنفس واستعداداً لموسم عظيم يتاجر فيه مع الله بصالح الأعمال ومدارسة القرآن ?إن الذين يتلون كتاب الله، وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور، ليوفيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله، إنه غفور شكور}.
وإذا كان الشهر ينتهى، وأحس النبى صلى الله عليه وسلم بفراقه، نشط في العمل، واجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره، واعتكف في المسجد، وأحيا الليل، وأيقظ أهله وشد المئزر، وكان يوادعه بالاشتياق والحنين إليه ولهذا سن لنا، أن نوادعه بجنس العمل في رمضان، فقال عليه الصلاة والسلام ” من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر”
وينبغى للصائم أن يخص بمزيد العناية جوارحه سمعه وبصره، ولسانه فيردعها عن المنهيات، وإلا إذا صام ولم يصن هذه الجوارح عما حرم الله، كان كمن بنى بنياناً وانهدم، وعلى رأسه وقع هذا الانهدام، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، لأنه إن صام عن شهوتى البطن والفرج، فهو مفطر على كثير من المهلكات والأوزار.
فعليكم أيها الأخوة بصيامه صياماً تزكو فيه أرواحكم، وترتوى به قلوبكم، وتصفو فيه نفوسكم، كما ينبغى أن تصرفوا أوقاتكم فيه إلى تلاوة كتاب الله تعالى، بدلاً من كثرة النوم، والانشغال بما يضر ولا ينفع من لغو الكلام، وفضول القول، والألاعيب التى تنقلب حسرة على لاعبيها يوم القيام كاللعب بالورق والنرد “كالطاولة وغيرها” فقد جاء في صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “من لعب بالنرد فكأنما لطخ يده في دم الخنزير” وإذا كان هذا حراماً في غير رمضان فهو أشد حرمة في شهر الصيام.
فاحرص على الخير أيها المسلم، وإياك أن يتسلط عليك الكسل أو الفتور في هذا الشهر الكريم، وأد صلواتك في جماعات، واصرف وقتك في التسبيح والاستغفار وقراءة القرآن، وغض بصرك عما حرم الله من النساء، وصن لسانك عن اللغو والكذب مهما كانت الأسباب.
ولا تصل صلاة التراويح إلا خلف إمام خاشع، فإن من لا يطمئ