شبح مشكلة جديدة
يطل برأسه
بقلم: الدكتور إبراهيم إبراهيم هلال
كلما نمضي خطوة إلى الأمام- بعد طول تعثر- ونحمد اللَّه أن خطونا هذه الخطوة يأتي لنا المغرمون بإخراج المرأة من بيتها، ومن أنوثتها، ومن بين أولادها بمشكلة جديدة تعمل على زيادة تغريب المرأة عن بيتها، وإيغالها في طريق ( الاسترجال ) والتشبه بالرجال بحجة المساواة بين الرجل والمرأة. ومشكلة اليوم هي رغبة المرأة أو رغبة المغربين للمرأة- في وصولها إلى العمل في القضاء والنيابة العامة.
وأقول لهؤلاء أولا: هل درستم احتياج الدولة لعمل المرأة في القضاء، أو النيابة العامة، أو حتى النيابة الإدارية التي تعمل فيها الآن؟ وهل درستم مدى قدرة المرأة عموما في الأعمال التي تولتها بالفعل الآن؟ وهل هي مرتاحة إلى هذا العمل الجديد الذي تمارسه، وهل يمكنها من الجمع بين أدائه على الوجه الأكمل أو المطلوب، وبين أداء واجب البيت والزوج والأولاد؟ وهل تستفيد الفائدة المادية التي سعت إليها بهذا العمل كما قدرت؟ وهل أحست بالمساواة بينها وبين الرجل كما لم تحس بها من قبل؟
إن هذه المساواة التي يلهثون للجري وراءها، هي موجودة ومتحققة وحصلت عليها المرأة منذ أربعة عشر قرنا من الزمان من أول نزول القرآن، ولكن لا على هذا الشكل الذي يريدونه للمرأة الآن.
هذه المساواة أعلمنا اللَّه بها وأنها متحققة أولا في الطبيعة الإنسانية والنفس الإنسانية على حد سواء، بين الرجل والمرأة كما جاء ذلك في قوله تعالى في أول سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ….} فالنفس الإنسانية هنا واحدة منها الرجال، ومنها النساء، وإن كان هناك بعد ذلك، تفاوت في الاستعداد لمسئوليات الحياة بين الرجال، وبين النساء، وتفاوت بين الرجال أنفسهم في استعداد كل لعمل هيئ له، ولم يهيأ لغيره، فهذا للطب وهذا للهندسة، وهذا للحرب، وهذا للإدارة، وهذا للأعمال العامة إلى غير ذلك مما يحتاجه تخصص الحياة، وتعدد جوانبها.
والتقسيم الأعظم الذي جاء على هذا الأساس، أن النساء للبيوت، والرجال للأعمال التي هي خارج البيوت، كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع، وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسئولة عن رعيتها… ) فمكان المرأة هنا هو البيت وهو قسمتها التي قسمها اللَّه لها، ولذلك نزل قوله تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ} وذلك حين سألت بعض النساء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أن يبيح لهن أعمال الرجال أو ما وجب على الرجال دون النساء، كالجهاد في سبيل اللَّه والحرب، وصلاة الجمعة والجماعة والعيدين، وشهود الجنائز.
والنساء على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لم يكن يطلبن هذه الأعمال بقصد المساواة- التي تشغل نساء اليوم- بالرجال، وإنما طلبنها بقصد الوصول إلى ثواب اللَّه وحسناته في هذه الأعمال، كما حصل على ذلك الرجال، فكان جواب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لهن: ( إن طاعة المرأة لزوجها، وابتغاءها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله ) وفي موقف آخر قال لهن: ( إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله ) ثم نزلت هذه الآية تنبههن إلى أنهن إذا أردن الثواب، فليسألن اللَّه من فضله، أن يوفقهن إلى الأعمال الصالحة في حدود ما اختصصن به من الفضل الذي أهلهن لعمل البيت دون الرجل نظير اكتسابهن لذلك صفات خلقية ليست للرجل. وكذلك الرجال في هذا المجال، لا ينظرون إلى ثواب النساء على أعمالهن في البيت والأمومة.
هذه هي المساواة الحقيقية، وهذا هو وجه التقدير للمرأة، كما جاء في قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وغير ذلك من الآيات الكريمة والعديدة والتي جاءت بهذا الصدد.
وحديث المساواة التي حققها القرآن الكريم حديث واسع عريض، نذكر منه: إثبات أحقيتها في الميراث بعد أن كانت لا ترث عند معظم الشعوب والأمم، ولا زالت عند بعضها إلى الآن ليس لها حق الإرث، وكذلك حق التملك، والبيع والشراء والحرية الشخصية في ذلك، وحرية الاختيار في الزواج وإبداء الرأي في المسائل العامة إلى آخر ما هنالك من حقوق تتعلق بصفة الإنسانية في الإنسان بصرف النظر عن كونه رجلا أو امرأة.
هذه هي القضية في لبها وأساسها نقدمها لمن يجرون وراء إسناد أعمال الرجال إلى النساء بحجة التسوية بين النوعين، وإعطاء المرأة هذا الحق الذي هضمها الرجل إياه.
ونأتي لموضوع القضاء، كما أشارت إليه جريدة أخبار اليوم فنقدم أولا تلك المو