سورة الفاتحة ومكانتها من القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين).
3- الحمد لله رب العالمين:
الحمد ثابت لله، مستحق له، مختص به، ليس لأحد أن ينازعه إياه، فهو الله – (لفظ الجلالة “الله” : عَلَم على الذات العلية، فيه معنى الألوهية، وهو الاسم الجامع لمعاني الأسماء الحسنى، والصفات العلا، عن عبدالله بن عباس) قال: (الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين) وقد ذكر في القرآن الكريم في ألفي وستمائة وسبعة وتسعين موضعًا، ولم يسم به غير واجب الوجود، المعبود بحق.. “هل تعلم له سَـميًّا” )- المعبود بحق، وهو رب العالمين – (رب العالمين: مالكهم، أو مربيهم ومتولي أمورلهم، ولا يقال: “الرب” إلا لله عزَّ وجلَّ، وقد يقال للشخص: “رب الأسرة”، أو “رب الدار” والعالم: كل ما سوى الله عزَّ وجلَّ من المخلوقات كلها)- خلق الخلق بقدرته، وأوجدهم من العدم بمشيئته، ودبر لهم ما يصلحهم بحكمته، وأنهم بأسباب الحياة والبقاء إلى الأجل الذي قدر لهم بإحسانه ورحمته.
وقد ربى الله الإنسان فوق هذه التربية الجسمية تربية نفسية وعقلية، ثم ربَّاه تربية تشريعية بما أرسل من الرسل، وأنزل من الكتب، فكما أنه لا شريك له – سبحانه – في تربية الخلق والتكوين – لا شريك له في تنزيل التربية بالوحي والتشريع.
ومن هنا كان لله في خلقه عامة نوعان من التربية: تربية خلقية، وأخرى تشريعية، وقد شملهما قوله تعالى: (رب العالمين).
ولكي يدرك الإنسان ربوبية الله للعالم التي استحق بها الحمد، واختص بالثناء عليه أن ينظر في ملكوت الله، عليه أن يبحث أسرار الله في نفسه، وفي الحيوان، وفي النبات، وفي الجماد، وفي السماء، وفي الأرض وفي الهواء، وفي كل ما خلق الله من شيء.
وقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ بهذا النظر، وهذا التفكر، فقال سبحانه: (أوَلم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء) الأعراف: من الآية 185. (فانظرْ إلى آثار رحمة الله) الروم: من الآية 50. (وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون) الذاريات : 20، 21. وجعل هذا النظر والتأمل عبادة.
وسور الحمد التي بُدئت بإثبات الحمد لله، كما عرفت – في صفحة9 من عدد شهر المحرم 1394هـ- غير الفاتحة سور أربع، هي: سورة الأنعام، وسورة الكهف، وسورة سبأ، وسورة فاطر، وبذا تكون سور الحمد خمسًا: اثنتان في النصف الأول من القرآن الكريم (الفاتحة والأنعام) وواحدة في منتصفه (الكهف) واثنتان في النصف الأخير (سبأ وفاطر) وكلها مكيّة، نزلت في بدء الدعوة إلى التوحيد، واعتقاد أن الله هو مصدر كل خير يصيب الإنسان من جهة حياته المادية، وحياته الروحية، وكان ذلك بمثابة تمهيد يغرس في النفوس الإقبال على الإيمان، ويهيئها لاستقبال ما سينزل من التشريع بعد في رضا واطمئنان، وطاعة وخضوع.
ومما تجدر ملاحظته أن هذه السور الخمس قد دارت حول بيان ربوبية الله للعالم من ناحيتيها: الخلقية، والتشريعية، وأن سورة الفاتحة قد أجملت ذكر هذه الربوبية من هذين الجانبين، وأن السور الأربع الأخرى جاءت كتفصيل لهذا الإجمال.
فبينما تبدأ الفاتحة بـ(الحمد لله رب العالمين) فتعم تربية الخلق والتشريع، وتتبعه بما يؤكد هذا المعنى في الجانبين بإجمال – نرى أن سورة الأنعام – على طولها – تتحدث في تفصيل عن الناحية الأولى من ناحيتي الربوبية، وهي ناحية الخلق والإيجاد، كما يشعر بذلك أولها: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور).
ونرى سورة الكهف تتحدث في تفصيل كذلك ، عن الناحية الأخرى للربوبية، وهي ناحية التشريع، كما يشعر بذلك مطلعها: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب..).
ونرى سورة سبأ تتحدث – في تفصيل عن ناحية التربية الخلقية، لكن على نحو آخر، غير ما جاء في سورة الأنعام، فتذكر أن لله تعالى ما في السموات والأرض علمًا وتصريفًا، وتمضي على هذا النحو إلى آخرها، بينما ذكرت سورة الأنعام أن لله تعالى ما في السموات والأرض خلقًا وإيجادًا.
ونرى سورة فاطر تتحدث عن الناحيتين جميعًا في شيء من التفصيل، كما يشعر بذلك أولها: (الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) ويستمر الحديث فيها عن الآيات الكونية، والآيات القرآنية.
4- الرحمن الرحيم:
جعل الله تعالى ربوبيته للعالم عن طريق الرحمة والرحمانية. فليس مصدرها جبروته وقهره. وهو القهار الجبار، ولكن مصدرها عموم رحمته، وشمول إحسانه لجميع خلقه، فإنهم بالرحمة يوجدون، وبالرحمة يتصرفون، وبالرحمة يرزقون، وعلى الرحمة يعتمدون، وفي هذا المعنى ما يبعث على الإقبال على الله عزَّ وجلَّ بصدور مؤمنة، وقلوب مطمئنة.
وإذا كان الحمد لله، والثناء عليه – مرجعهما وأساسهما ربوبية الله للعالم، ورحمته و