سورة الفاتحة
بقلم الأستاذ عنتر أحمد حشاد
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .
6- اهدنا الصراط المستقيم:
بعد أن توجهنا إلى الله تعالى وحده بالعبادة : (إياك نعبد) ، وبعد أن توجهنا إليه سبحانه وحده بالاستعانة : (وإياك نستعين) يعلمنا الله عز وجل أن أهم ما ينبغي أن نستعينه فيه هو طلب الهداية والتوفيق إلى الصراط المستقيم ، طريق الحق والخير .
وقد كثر كلام المفسرين في المراد بالصراط المستقيم الذي جعل الله طلب الهداية إليه في هذه السورة أول دعوة علمها الإنسان .
وجماع القول(*) في ذلك : أن الصراط المستقيم هو جملة ما يوصل الناس إلى سعادة الدنيا والآخرة من عقائد ، وآداب وأحكام من جهتي العلم والعمل ، وهو سبيل الإسلام الذي ختم الله به الرسالات السماوية ، وجعل القرآن دستوره الشامل ، ووكل إلى محمد صلى الله عليه وسلم تبليغه وبيانه .
(*) الجامع لأقوال المفسرين ، الشامل لها ، ولكل نواحي الاستقامة .
الإسلام هو الصراط المستقيم :
وحسب القارئ في معرفة أن الإسلام هو الصراط المستقيم ، وأنه لذلك كان الشريعة الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان – أن يتتبع حالة العالم في عصوره المتتابعة قبله ، فإنه سيجد أن العالم كان يتردد بين طرفين من إفراط وتفريط ، وكان ذلك شأنه في كل شيء : في العقائد ، في الأخلاق ، في صلة الإنسان بالحياة ، في علاقة الفرد بالمجتمع ، في علاقة الأمم بعضها ببعض ، إلى غير ذلك من سائر الشئون .
ولما كان العالم لا يصلح بالإفراط ولا بالتفريط – جاءت شريعة الإسلام وسطا لا إفراط فيها ولا تفريط ، ووقعت أحكامها ومبادئها مهما تنوعت وتشعبت في هذه الدائرة التي رسمها كتاب الله عز وجل : (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (من الآية 143 من سورة البقرة)، (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) [من الآية 153 من سورة الأنعام].
فالإسلام في العقيدة وسط بين من ينكرون الإله الخالق ، ويزعمون أن هذه الحياة الدنيا ليست إلا وليدة المصادفات ، والتفاعلات المادية ، ويقولون: (ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) [من الآية 24 من سورة الجاثية]، وسط بين هؤلاء ، ومن يقولون بالتعدد ويتخذون مع الله أندادا .
يقرر الإسلام في صراحة وجلاء أن الله إله واحد ، وأنه وحده الخالق الرازق رب العالمين ، فهو المعبود بحق الذي لا يعبد سواه : (قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد) [سورة الإخلاص]، (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياى فارهبون) [الآية 51 من سورة النحل]، (قل إن صلاتي ونسكي ومحياى ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) [آيتا 162 ، 163 من سورة الأنعام].
وهو في الأخلاق وسط بين الذين يتحللون من كل الفضائل والذي يشتطون في تصور الفضيلة ويتشددون فيها ، فالفضيلة في الإسلام وسط بين رذيلتين : الشجاعة وسط بين الجبن والتهور ، والاقتصاد وسط بين البخل والتبذير ، والتواضع وسط بين الاستكبار والاستخذاء ، والصبر وسط بين الجزع والاستكانة ، والتوكل على الله وسط بين التواكل والغرور (التواكل: ترك السعي والعمل وعدم الأخذ بالأسباب)، وأساس ذلك قوله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا) [آية 29 من سورة الإسراء]، (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا) [آية 67 من سورة الفرقان]، وقوله صلى الله عليه وسلم لمن ترك ناقته من غير قيد ، زاعمًا أن في هذا ثقة بالله وتوكلا عليه: (اعقلها وتوكل) (اعقلها: اربطها وفي الحديث ما يرشد إلى أن الأخذ بالأسباب واجب وأنه لا ينافي التوكل على الله).
والإسلام في صلة الإنسان بالحياة وسط بين المادية البحتة ، التي لا تعرف شيئًا وراء ما يقع عليه الحس من طعام وشراب ، ولذات وشهوات وغلبة وبطش ، وجمع للأموال وتكاثر وتفاخر ، والروحية البحتة التي تزهد في الحياة ، وتعرض عنها إعراضا تاما ، فلا زواج ، ولا سعي ولا عمل ، ولكن تبتل مطلق (التبتل المطلق: الانقطاع للعبادة وترك العمل) وإهمال للأسباب ، يقرر الإسلام في ذلك الوسط أيضًا ، إذ يقول سبحانه: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) [من الآية 77 من سورة القصص]، (فإذا قـُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) [من الآية 10 من سورة الجمعة]، (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) [من الآية 32 من سورة الأعراف].
والإسلام في تحديد علاقة الفرد بالجماعة وسط أيضًا ، لم يترك الفرد طليقا يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء ، كالوحش في الفل