ركن المسلم الصغير
قصة نوح عليه السلام
بقلم: أبو إيهاب
أحبائي الصغار:
كان قوم نوح عليه السلام يعبدون الأصنام، وهذه الأصنام كانت تمثل أناسًا صالحين ماتوا من قبل، ولما ماتوا أراد قومهم أن يتذكروهم، فصنعوا هذه التماثيل ليتذكروهم بها، وجاء جيل آخر من بعدهم أوهمهم الشيطان أن آباءهم كانوا يعبدون هذه التماثيل، فجعل هذا الجيل الجديد يتخذ هذه الأصنام آلهة، يعبدها، ويناديها، ويستغيث بها، ويطوف حولها.
ولما كانت العبادة لا تكون إلا لله وحده، لأنه هو الذي خلقنا ورزقنا، وهو الذي يحيينا ويميتنا، فإن عبادة قوم نوح لهذه الأصنام تعتبر كفرًا وشركًا باللَّه، ينتهي بهم إلى الخلود في النار التي أعدها اللَّه للمشركين.
ولكن من رحمة اللَّه بالناس أن لا يعذبهم إلا بعد أن يبعث لهم رسولاً يبين لهم ما وقعوا فيه من كفر، فأرسل اللَّه رسولاً إلى هؤلاء الناس اسمه ( نوح ) عليه السلام، يدعوهم إلى عبادة اللَّه وحده، وترك عبادة الأصنام، ورغم أن هذا الرسول كان معروف لديهم جيدًا، إلا أنهم لم يسمعوا كلامه، وأخذوا يستهزئون به.
لم ييأس نوح عليه السلام، ولكنه بذل كل ما استطاع من جهد في سبيل دعوة الناس إلى دين الحق، فمثلاً يقول لهم: {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } فيقف المعارضون لهذه الدعوة ويقولون للناس: {مَا هَذَا إِلاَ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأنزلَ مَلاَئِكَةً} يقول لهم نوح: {إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} فيردون عليه يقولون: {يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} ولكن نوحًا يعلم أنه لا يملك أن يأتيهم بالعذاب، لأن هذا لا يملكه إلا اللَّه تعالى فيقول لهم: {إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شَاء}.
وهكذا ظل نوح عليه السلام يجاهد في سبيل دعوتهم إلى دين اللَّه تسعمائة وخمسين عامًا، ولم يؤمن بهذه الدعوة إلا عدد قليل جدًا من الناس، وظل الباقون على كفرهم، فدعا عليهم نوح أن يهلكهم اللَّه، وألا يترك واحدًا منهم على ظهر الأرض: {رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} ( ديارا أي ساكنًا في دار والمعنى لا تترك منهم أحدًا ) فاستجاب اللَّه هذه الدعوة، وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن إلا الذين آمنوا من قبل، وأمره اللَّه بعد ذلك أن يبدأ في صناعة سفينة لأن العذاب سيكون بالطوفان، ولكن نوحًا لم يصنع السفينة بخبرته وعلمه، وإنما بالإشراف الإلهي {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}.
بدأ نوح في صناعة السفينة، وكلما مر عليه واحد من هؤلاء الكفرة أخذ يتندر عليه في استهزاء، فيرد نوح ويقول: إذا كنتم تسخرون منا اليوم، فإننا سوف نسخر منكم غدًا عندما نركب السفينة ونراكم وأنتم تعذبون عذابًا مستمرًا أليمًا.
وبعد أن انتهى من صناعة السفينة، أمره اللَّه أن يحمل فيها المؤمنين، وأهله الذين آمنوا، أما الذين لم يؤمنوا فلا يحملهم في السفينة. وبدأ الطوفان بأن نزل الماء غزيرًا من السماء بصورة لم يرها البشر قبل ذلك، وماء آخر يتفجر من الأرض، حتى تقابل الماء النازل من السماء مع الماء النابع من الأرض وكأن المسافة بين السماء والأرض قد امتلأت كلها بالماء: {فَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}.
أخذت السفينة تشق طريقها في هذا الطوفان، وعجلة القيادة والدفة ليست إلا بيد العزيز الرحيم، فكلما ارتفع الماء ارتفعت معه السفينة، بينما الكفار يحاولون أن ينقذوا أنفسهم ولا جدوى.
وكان ابن نوح مع الكفار، وناداه أبوه نوح ليركب في السفينة، ولكن الابن الطائش لم يستمع لنصيحة أبيه، وظن أنه يستطيع أن يصعد جبلاً مرتفعًا لا يصل الماء إليه، فكان من نتيجة عصيانه لأبيه أن غرق مع الكافرين، لأن اللَّه عز وجل لا يجامل أحدًا لأنه ابن الرسول أو قريبه، وإنما كل واحد يحاسب بمقتضى عمله.
وبعد أن غرق الكفار جميعًا في هذا الطوفان، انتهى كل شيء بإشارة من اللَّه تعالى، فأمر الأرض أن تبتلع ما عليها من ماء، وأمر السماء أن تتوقف عن إنزال الماء، وأمر السفينة أن ترسو على الأرض في المكان الذي حدده اللَّه سبحانه وتعالى، وجفت الأرض وسهل السير عليها، وابتدأ المؤمنون بعد ذلك حياتهم العادية، لا يعبدون إلا اللَّه، ولا يشركون به أحدا، ولا ينادون غير اللَّه، ولا يستغيثون إلا باللَّه، ويتوجه نوح عليه السلام إلى اللَّه عز وجل داعيًا: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَ تَبَارًا} (تبارا: هلاكا ).
ولدي العزيز، ابنتي الصغيرة:
إذا كانت قصة نوح عليه السلام قد أعجبتك، فابحث عنها في