رد على مقال الشيخ أحمد الباقوري
بعنوان لله .. ثم للتاريخ
بقلم محمد على عبد الرحيم
خبير تعليم البنات بالرياض سابقا
روى أن الإمام مالكا رحمه الله تعالى ، سئل في ثمان وأربعين مسألة فقال في ست وثلاثين : لا أدري ( أي أنه أجاب فيما سئل عنه بنسبه 25% وأجاب بلا أدرى بنسبه 75 % ) وكان يقول ينبغي أن يورث العالم غيره ممن لا يعلم ، كلمة لا أدري ليفزع إليه غيره عند جهله بالحكم .
أقول هذا لمناسبة الفتاوى الدينية التي لم يحالفها التوفيق ، والتي تنشر في الصحف وخاصة جريدة الأخبار ، وعلى لسان بعض أصحاب الفضيلة العلماء ، يستحسنون بدعا محرمة في الدين ، معتمدين على آرائهم دون استناد إلى دليل من سنة ، أو حجة من قرآن . والله تعالى يقول : ( فلله الحجة البالغة (.
ومن المناسب في هذا المقام أن نبين للناس شيئا عن البدع المحرمة في الدين ، والمنهي عنها مطلقا . ونقصد من البدعة كل زيادة مستحدثة في الدين يراد بالسير عليها زيادة التقرب لله عز وجل .
قال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ، ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ( وفي هذا دليل على أن من يستحسن بدعة في العبادات ، يكون له نصيب من الوعيد المذكور في الآية الكريمة . إذ استحسانه للبدع ، وحثه الناس على التعبد بها إن هو إلا مشاقة لهذه الآية ويؤيد ذلك ما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يردده على المنبر بقوله : (( أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها . وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) رواه مسلم . وزاد النسائي (وكل ضلالة في النار )- وفي صحيح مسلم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) أي مردود عليه بمعنى أن هذا العمل لا يصعد إلى السماء بالرضا والقبول . لأن أصل العبادة أن تكون مشروعة لا موضوعة حسب الأهواء والآراء . وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- فيما رواه أحمد والدرامي وغيرهما قال : خط لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما خطا ثم قال هذا سبيل الله . ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه . ثم تلا ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ( قال مجاهد أي بالبدع والشبهات . وقال ابن عمر : كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة . وعن حذيفة قال : كل عبادة لا يتعبدها رسول الله ولا أصحابه فلا تعبدوها فإن الأوائل لم يدعوا للآخرين مقالا . وقال مالك : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمد خان الرسالة ، لأن الله يقول ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا ( فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا . وقال الشافعي رحمه الله : من استحسن يعني بدعة فقد شرع .
أضع هذه النصوص أمام أصحاب الفضيلة العلماء وخاصة فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري ، الذي درج في هذه الأيام ، على أن ينشر في الصحف بعض آرائه في البدع المحرمة شرعا ، مستحسنا العمل بها . ولعل فضيلة الشيخ يلتمس لنا العذر إذاأوضحنا للناس موقف الإسلام من هذه البدع . لأن هذا الاستحسان الذي يصدر منه تباعا فيه فتنة للناس وشر مستطير .
لقد طلع علينا فضيلة الشيخ الباقوري بمقال عنوانه ( لله.. ثم للتاريخ) في صفحة رأي الشعب بجريدة الأخبار بعدد 4 ربيع الثاني 1396 الموافق 4 أبريل 1976 .
اعتمدالكتاب في مقاله على الإنشاء أكثر منه على الرواية ، بل كله رأي خاص لم يستند على آية من قرآن أو نص من حديث، ولا ينبغي أن تصطدم الفتاوى بنص صريح جاء في كتاب الله أو سنة رسوله . لقوله تعالى محذرا من الوقوع في ذلك ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم(.
أورد الشيخ الباقوري في مقاله ثلاث قضايا كما يقول :-
الأولى أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، استفتاه فيما يفعله الناس حول قبر الحسين- رضي الله عنه- وذلك بعد أن أصدر وزير الأوقاف وقتئذ أمرا بإغلاق مقصورة الحسين حتى لا يصلي فيها الناس .
جاءت فتوى المفضال أحمد الباقوري باباحة ذلك بغير حجة أو برهان ، بما لم ينزل الله به سلطانا ، ويحسب أنه يحسن صنعا .
ألا فليعلم فضيلته أن النهي صريح في القرآن الكريم ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا (- والأحاديث في هذا الموضوع كثيرة مشهورة منها قوله- صلى الله عليه وسلم- (( صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا )) لأن الإسلام ينهي عن الصلاة بجوار قبر مهما بلغ صاحبه في درجة الصلاح والتقوى ، سدا لذريعة الشرك بالله.
ومنها قوله- صلى الله عليه وسلم- في مرضه الأخير ، فيما رواه مسلم .عن جندب بن عبد الله قال : (( سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس ( ليال ) وهو يقول إني أبرأ إلى الله أن يكون لكم مني خليل . فإن الله