رد الشبهات حول نظام الحكم في الإسلام
بقلم/علي محمد قريبه
موجه أول الصحافة المدرسية بالتربية والتعليم
-2-
نشرنا في العدد الماضي من ((التوحيد)) الجزء الأول من هذا المقال الذي قام فيه كاتبه الأستاذ علي محمد قريبه بالرد على ما جاء من شبهات في مقال للمستشار محمد سعيد العشماوي حول نظام الحكم في الإسلام. ونواصل فيما يلي تكملة رد هذه الشبهات التي أثارها مقال المستشار.
التوحيد
رابعاً – لا أدري كيف يذهب الكاتب إلى أن حكومة الله تنتهي بموت النبي أو الرسول مع أنه ذكر في مقاله أن آيات الحكم الثلاث نزلت في حق اليهود الذين عاصروا رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم؟ فكيف يرى أن الله طالب اليهود بأن يحكموا فيهم التوراة بعد وفاة نبيهم موسى بمئات السنين وفي حياة رسولنا محمد فقال سبحانه ((وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ)) [المائدة: 42] وطبعاً كان هذا الحكم خاصاً بحد الزنى وهو من الحدود الست، ثم يأتي الكاتب ليقول أن إقامتها في مجتمعنا الحديث صعبة، ويكفي أننا نقيم السياسة العقابية على أساس التعزير؟ فهل يا ترى يحرم على المسلمين ما لم يحرمه على اليهود؟
وغير ذلك فإن الآية الثالثة من تلك الآيات نزلت في حق النصارى، وقبلها مباشرة قوله تعالى: ((وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ )) [المائدة :47] فكيف يحكم النصارى إنجيلهم في حياتهم وفي عهد رسولنا محمد أي بعد وفاة نبيهم بعدة قرون، ثم يأتي كاتب مسلم فيحرم علينا معشر المسلمين أن نحكم القرآن فينا في عصرنا هذا؟.
لكل حكومة قوة تحرس الحق
ولا أدري أيضاً كيف يستسيغ أن تكون لحكومة ما سوى الله قوة تقهر مواطنيها على تنفيذ حكمها بالقوة في الوقت الذي لا يسمح فيه لحكومة الله بذلك؟
إن حكومة الله تقوم على الحق كما قال تعالى ((إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)) [النساء: 105] ودائماً ما يقف الشيطان وأعوانه في طريقها.. فكيف يظهر الله دينه وحكومته بدون قوة ؟ ثم ماذا يكون الحل لو اختلف شعب في أمر من أموره مع حاكمه؟ أيذعن لأمره وسلطانه ولو كان على باطل كما يرى الكاتب – وكما هو متبع في الدول المستعمرة أم يرد الخلاف إلى الميزان الثابت الذي لا يهتز أبداً، كتاب الله وسنة رسوله.
وهذا هو مضمون قوله تعالى ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)) [النساء:59].
خلافة أبي بكر
خامساً – لقد ذكر الكاتب أن أبا بكر بُويع بالخلافة بعد وفاة الرسول دون تحديد لنطاق حكومته. فكيف يُعقل هذا وهو الذي التزم بكل تصرف فعله الرسول في سياسته لدرجة أنه قال وهو يحارب الممتنعين عن أداء الزكاة (( والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها لرسول الله لقاتلتهم عليها)) وكان يقول (أنا متبع ولست بمبتدع) وعلى ذلك فإن حكومته كانت امتداداً لحكومة رسول الله
صلى الله عليه وسلم . وأما عن لقب (الخليفة) فليس من حق الكاتب أن يفسر اللفظ كما يشاء، وإنما يكون تفسيره على حسب فهم العرب الأقدمين للغتهم، واللفظ في لغة العرب يطلق على النيابة. ألا ترى أنك إذا وكلت إلى أحد أمر ضيعتك وجعلته نائباً عنك فيها لا بد أن تحقق شروط ثلاثة: أولها أن تكون أنت صاحب الضيعة ومالكها الحقيقي. ثانيها: أن يتصرف هذا الرجل في ملكك حسب أمرك ولا يخرج عن طاعتك. ثالثها: أن يقضي الرجل من الضيعة ما تريد قضاءه أنت لا ما يريده هو. فأبو بكر رضى الله عنه كان خليفة لرسول الله ليقيم حكومته على كتاب الله وسنة رسوله لا ليحكمها بهواه أو هوى من بايعوه بالخلافة.
الالتزام بالنص
سادساً – أن الكاتب يرى أن النظام الأمثل هو الذي يعني بالإنسان ولا يتحجر في نص، ولم يذكر الميزان الصحيح الذي يمكن على أساسه أن يقوم النظام الذي يعني بالإنسان، فهل يقصد مثلاً أن تُلغي القاعدة الأصولية المعروفة (لا اجتهاد مع النص) فإذا ما رأي الشعب مصلحته في أمر ما، ووجد أن نصاً من الكتاب أو السنة يرفضه، يطرح النص وراء ظهره؟ أم أنه يظن أن الشعب لا يمكن أن يخطئ، وأن تطلعاته ورغائبه لا يمكن أن تخالف النص؟
أغلب الظن أن الكاتب يعني الاحتمال الأول بدليل أنه يرى الحكومة الشرعية هي الحكومة المدنية التي تحكم باسم الشعب حسب مقتضيات العصر. ومعنى ذلك أن الشعب لو رأى مصلحته الاقتصادية في التعامل بالربا، وفي المتاجرة بالخمور، وفي فتح النوادي التي تستقبل عشاق الهوى وتدر على الدولة دخلاً من العملات الصعبة، يفعل ذلك، ويكون حكم الشعب عندئذٍ مثالياً في رأيه.
حكومة الله باقية
هكذا نرى أن حكومة الله ينبغي أن تظل قائمة، وأن نظام الحكم في الإسلام يرتك