رجال نعتز بهم ولكن…. !
بقلم: محمد عبد اللَّه السمان
أجل نحن نعتز بأصحاب رسول اللَّه- صلوات اللَّه وسلامه عليه- بلا أدنى تفرقة، نعتز بهم جميعًا لأنهم الرعيل الأول للإسلام، وحسبهم أنهم صحبوا رسول اللَّه وتلقوا عنه، وأبلوا بلاء حسنًا في سبيل إقامة دولة الإسلام، وحفظوا للعقيدة والشريعة مكانهما اللائق بهما..
هل ننكر مثلاً أن عليًا رضي اللَّه عنه، كان أول الشباب إسلامًا، وهل ننكر موقفه البطولي ليلة الهجرة؟ وهل ننكر بطولته الخيالية في كثير من غزوات الرسول؟
إذن فليس أمثال علي- رضي اللَّه عنه- في حاجة إلى الغلو في شخصه، ولا أن يعمد بعض الغلاة المرقة، ومن كانوا امتدادًا لهم من المتصوفة الحمقى، إلى تأليف القصص الملفقة عنه، ولا إلى إجراء أشعار وكلمات وخطب على لسانه هو برئ منها تمامًا، ومع أن كتاب ( نهج البلاغة ) المنسوب إلى علي رضي اللَّه عنه يتضمن الكلمات والخطب القريب معظمها من الاعتدال، إلا أن المؤرخين المحققين يرفضون الاعتراف بنسبة هذا الكتاب إليه، ويرون أنه من تأليف المغرقين في التشيع، وعدوا منهم الشاعر المعروف: الشريف الرضي.
ولو أننا وقفنا- في الحديث عن خطب علي وكلماته التي جرت على لسانه في كثير من المواقف- عند حدود ما دونته كتب الآثار، ومدونات التاريخ الأولى التي أرخت للإسلام ورجاله، لهان الأمر، ولكن المتصوفة الغلاة، أصروا ولا يزال أتباعهم يصرون- على أن يحولوا شخصية علي رضي اللَّه عنه إلى شخصية أسطورية، وعلى أن يجروا على لسانه كلامًا- يعلم اللَّه أن عليًا كان أسمى من أن يجري مثل هذا الكلام على لسانه.
قالوا على لسانه مثلاً:
( أسألوني- قبل أن تفقدوني- عن علم لا يعلمه جبريل ولا ميكائيل، واللَّه إني أعلم بدروب السماء أكثر من أحدكم بدروب الأرض…. ويشير إلى صدره ويقول: إن هنا لعلومًـا جمة لو وجدت لها وعاء ).
ألم يقرأ علي- حتى يقول هذا الكلام- قوله تعالى: {فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}، وقوله تعالى مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم : {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}؟؟
ومن الهذيان الذي أجراه الغلاة على لسان علي شعرًا:
لـقد حزت علم الأولـين وإنني ضنين بعلم الآخـرين كتـوم
وكاشف أسرار الغيوب بأسرها وعندي حديث حادث وقديم
وإنـي لــقـيوم علـى كـــل قـــيم محيط بكل العالمين عليـــم
أمثل هذا الهذيان يصدر عن صحابي جليل مثل علي- رضي اللَّه عنه-؟ هل هناك علم يكتم، وقد أنذر رسول اللَّه- صلوات اللَّه وسلامه عليه- من يكتم علمًا بأن يلجمه اللَّه بلجام من نار يوم القيامة، إن الإسلام لا يعترف إلا بعلوم الشريعة، وقد بلغها رسول اللَّه إلى المسلمين كاملة غير منقوصة، وإن لفظ ( قيوم ) اسم من أسماء اللَّه تعالى لا يختص به سواه، فكيف على نفسه بهذا الاسم؟
مثل هذا الهذيان لا يمكن أن يقوله إلا الغلاة من أمثال الحلاج وابن عربي، ويمكن أن ينسب إلى الأقطاب والأوتاد والأبدال المزعومين من أمثال الدسوقي والبدوي والجيلي والرفاعي ومن على شاكلتهم، أما أن ينسب إلى علي فشيء لا يقبله عقل ولا يقره منطق.
هذا وينسبون إلى علي قوله:
لو شئت لأوقرت- أي حملت- من تفسير الفاتحة سبعين بعيرًا. ولم يفت هؤلاء الغلاة أن يوجدوا مبررًا لكلام علي هذا، فقالوا: لقد بلغ الإمام عليًا- رضي اللَّه عنه- أن التوراة فسرت في سبعبن كتابًا، فقال- رضي اللَّه عنه-: ( لو يأذن اللَّه لي لحملت من فاتحة الكتاب وحدها سبعين بعيرًا ).
سبحان اللَّه ! إن التوراة لم تفسر في سبعين كتابًا- كما قالوا- وحاشا أن يدعي علي رضي اللَّه عنه النبوة حتى يجئ على لسانه ( لو يأذن اللَّه لي ) ثم إن الاسلام أسمى من أن ندخله في مباراة بينه وبين عمل أهل الكتاب، والقرآن المعجز ببلاغته ليس في حاجة إلى التفسير المطول المتجاوز حدود المعقول، بل إن حمل بعير واحد من الكتب يحتاج في تأليفه خمسين عامًا، فما بالك بحمل سبعين بعيرًا…؟
ولكي تكتمل القصة الملفقة المختلقة من أساسها، زعموا أن هناك تفسيرًا لعلي رضي اللَّه عنه، أسموه ( تفسير البطون ) وقد سأل الحسين أباه عنه، وعندما تواترت الأخبار حتى بلغ ذلك عليًا زين العابدين، فسأل عنه أباه الحسين، فأملاه إياه، وهذا التفسير هو تفسير سورة الفاتحة..
ومع أن عليًّا- رضي اللَّه عنه- من واقع روايات الغلاة- قال في الرواية الأولى: ( لو شئت ) وقال في الرواية الأخرى ( لو يأذن اللَّه لي ) ومفهوم ذلك أنه لم يفعل شيئًا، إلا أنهم أصروا على أنه ألف ( تفسير البطون ) وأسموه في النهاية ( مرآة العارفين في ملتمس زين العابدين ).
وخاتمة الأثافي ( خطبة الكوفة ) التي نسبوها إلى علي- رضي اللَّه عنه- زورًا وبهتانًا، ويجب أن نلغي عقولنا إذا أردنا الاعتراف بأن مثل هذا الكلام يصدر عن علي، فخطبته المزعومة تعتمد على لـ ( أنا ) أي كان يق