ذكريات الجهاد في رمضان
بقلم: محمد عبد اللَّه السمان
لا جدال في أن شهر رمضان هو الشهر الأم في ذكريات الإسلام، وحسب هذا الشهر العظيم أنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
ونحن- بالطبع- لا نحاول أن نستوعب في هذا المقال المحدود إلا بعضًا من هذه الذكريات، مكتفين بثلاث منها تتصل بالجهاد الإسلامي، الأولى والثانية كانتا في عصر النبوة والإسلام والقرآن ينزل على رسول اللَّه- صلوات اللَّه وسلامه عليه، والثالثة كانت بعد بضعة قرون من الهجرة ويقصد بالأولى والثانية معركة بدر وفتح مكة، كما نقصد بالثالثة موقعة عين جالوت التي دحر فيها الجيش الإسلامي جحافل التتار..
إن معركة بدر هي أولى المعارك الإسلامية التي تمت فيها أول مواجهة مسلحة بين جيش الإيمان وجيش الكفر والشرك، شاء اللَّه أن تكون بعد زهاء عامين من الهجرة، أي بعد استقرار الجماعة الإسلامية في المدينة، الجماعة الإسلامية التي ظلت من قبل في معركة من نوع آخر ثلاثة عشر عامًا في مكة، واجهت فيها كل أساليب البطش والإرهاب، وكل أساليب الحرب النفسية والجماعة يومئذ قلة مستضعفة لم تكن تملك إلا سلاح الإيمان وحده، لكن الإيمان هو الذي منح الجماعة أكبر طاقة من الصبر والاحتمال والثقة في اللَّه عز وجل، ولقد صور القرآن الكريم هذه المرحلة المكية أدق تصوير حين قال:
{وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
لقد أراد اللَّه أن يثقل إيمان الجماعة الإسلامية ويصقل عزائمها، فعلى الرغم من أنها ظلت ثلاث عشر سنة مرهقة منهكة، كانت في حاجة إلى مثلها لراحة الأبدان واستقرار النفوس، إلا أن اللَّه عز وجل هيأ لها معركة بدر مع قلة عددها وعدتها وكثرة عدد العدو وعدته، ومع ذلك فقد كتب اللَّه النصر للقلة المؤمنة ضد الكثرة الكافرة المتمردة على اللَّه عز وجل، وتعبير القرآن في هذا الصدد غاية في الدقة والإبداع:
{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
كان الإيمان وحده سلاح الفئة المؤمنة، في المواجهة المكية، هكذا اقتضت حكمة اللَّه عز وجل، فلو قدر للفئة المؤمنة أن تحمل السلاح في مكة، لوجدت الفئة الباغية مبررًا لسحقها وإزالتها من الوجود، أما في معركة بدر فقد كان للفئة المؤمنة سلاحان: أحدهماجوهري وهو العقيدة، والآخر تكميلي وهو القوة المادية، وكان سلاح العقيدة جوهريًا حتى لا يتسلل شيء من الغرور إلىالفئة المؤمنة فتظن أن القوة المادية هي العامل الأساسي في النصر، ولذلك عبر القرآن بقوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} إنه تعبير غاية في الدقة.. وفي أكثر من من آية قرآنية يؤكد القرآن أهمية هذا السلاح الجوهري سلاح الإيمان والعقيدة: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}- {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
وموضع العظمة والعبرة من معركة بدر توضحه الإجابة عن هذا السؤال:
لماذا انتصرت الفئة المؤمنة في بدر مع قلة عددها وضعف عدتها، ولماذا تفشل الجيوش العربية في حاضرنا مع كثرة أعدادها، وضخامة معداتها في الانتصار على عدو قليل العدد والعدة؟
والإجابة عن هذا التساؤل سهلة ميسرة لا تكلفنا جهدًا ذهنيًا، فالفئة المؤمنة في بدر كانت تجاهد ومعها إيمانها، أما الجيوش العربية، فهي تجاهد بلا إيمان، ولا يجادل عقل في أن ما حصلنا عليه من نصر في العاشر من رمضان منذ أربعة أعوام سببه أن جنودنا خاضوا المعركة وهم يحملون قسطًا من الإيمان…
ومع ذلك نجد بعض الحمقى يحاولون أن ينكروا هذا الفهم، مصرين على أن ما حصلنا عليه من انتصار في العاشر من رمضان سببه العلم والتكنولوجيا، وهذا البعض لا يحاول أن يسأل نفسه: لماذا لم ننتصر في حرب الخامس من يونيو منذ عشرة أعوام،ولم يكن ينقصنا العلم ولا القوة البشرية ولا التكنولوجيا؟
* * *
والذكرى الثانية ذكرى فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية على صاحبها صلوات اللَّه، أراد اللَّه للجماعة المؤمنة أن تنتصر انتصارًا مؤزرًا بلا مواجهة مسلحة بينها وبين العدو، لكن ما سر هذا النصر؟ ربما يتراءى للبعض أن قوة المسلمين الهائلة هي التي غرست الرهبة في نفوس العدو فأعلن استسلامه بدون قيد أو شرط، لكن من الذي أودع الرهبة في نفوس العدو حتى أعلن استسلامه بدون قيد أو شرط؟ إنه اللَّه سبحانه وتعالى..
وموضع العظة والعبرة في غزوة الفتح، أن اللَّه عز وجل شاء أن يهيئ النصر العظيم للفئة المؤمنة