دفاع عن الحديث الصحيح
حول حديث السحر
بقلم: عبد المعطي عبد المقصود محمد
عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: سحر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجل من بنى زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله… الحديث. وفي رواية: حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا.
كثر الكلام على حديث السحر قديمًا وحديثًا، وهو حديث رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد، وأكثر رواياته عن السيدة عائشة رضي اللَّه عنها، وبعضها عن زيد بن أرقم رضي اللَّه عنه.
وسنحاول في هذا المقال رد شبهات الرافضين لهذا الحديث شبهة شبهة، واللَّه الموفق.
1- استدل المنكرون لواقعة السحر بآيتين من كتاب اللَّه عز وجل الأولى {…. إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} [الإسراء: 47]. والثانية: {…. وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} [الفرقان: 8].
قال المنكرون أننا إذا أثبتنا حديث السحر فقد وافقنا المشركين في قولهم: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} وفاتهم أنه إذا كان السحر الذي عناه المشركون بقولهم هذا إنما يعني اختلاط عقله منذ بعثه اللَّه رسولاً إلى الناس، فليس هذا المعنى هو المقصود من حديث السحر.
كما أن كلمة {مَّسْحُورًا} لها في اللغة معنى آخر كما قال الراغب في مفردات غريب القرآن مادة ( سحر ): مسحور: على وجهين أحدهما: قيل جعل له سحر ( بضم السين وفتحها وسكون الحاء )- أي رئة- تنبيهًا إلى أنه محتاج إلى الغذاء.
وعلى هذا فالاستدلال بالآيتين مردود من الناحيتين المنطقية واللغوية.
* * *
2- الاستدلال بالآية الكريمة: {…. وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ…..} [المائدة: 67].
فنقول إن العصمة هنا من القتل لا من المرض وغير ذلك، والواقع يؤيد ما ذهبنا إليه: فقد شج رأسه صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته، واعتدى على جسده بالحجارة يوم الطائف. ولزيادة الإيضاح قول الراغب في مفرداته: ( فالعصمة في الآية: حفظ الأنبياء بما خصهم به من صفاء الجوهر، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية النفسية، ثم بالنصرة وتثبيت أقدامهم، ثم بإنزال السكينة عليهم، وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق ) أ. هـ مادة ( عصم ).
وعلى هذا فالاستدلال بهذه الآية مردود من الناحيتين المنطقية واللغوية.
* * *
3- الاستدلال بالآية الكريمة: {…. فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141].
قال المفسرون: لن يسلط اللَّه المؤمنين على الكافرين فيستأصلوهم بالكلية، حتى وإن انتصروا عليهم أحيانًا.
وفهمنا للآية أنها لا تتناول المؤمنين كافة على وجه العموم، فقد يكون للكافرين على بعض المؤمنين سبيل في الدنيا، أما الآخرة فبالإتفاق أن الكافرين هم الهالكون الخاسرون يخزيهم اللَّه يوم القيامة يوم أن يحكم بينهم وبين المؤمنين، فلا سبيل لهم. والواقع يؤيد أن بعض المؤمنين كان للكافرين عليهم سبيلا، بل والآن نرى أن السبيل والسيطرة لأمم كافرة وأخرة ملحدة.
وبذلك يكون الاستدلال بهذه الآية خطأ لما أثبتناه.
* * *
وهناك حجج أخرى واهية تكاد تكون أوهن من بيت العنكبوت لا تستند إلا على الخيال، قولهم إذا أثبتنا هذه الحادثة وصدقناها لقررنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اختلط عقله، فبذلك لا يستطيع التفريق بين الأشياء، لأن الأحاديث يروي فيها أنه كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله… إلخ.
ونقول إن الحديث يوضح هذا الشيء بأنه كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وهي رواية من روايات البخاري تفسر الروايات الأخرى، وكان أولى بالمشككين في أحاديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يزول لبسهم وشكهم بعد هذا التفسير من السيدة عائشة رضي اللَّه عنها وبعد الكلمة التي قالها سفيان أحد رواة الحديث وهي: ( وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا ).
إذن ما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم هو مرض قد يصيب كل إنسان،وهو صلوات اللَّه وسلامه عليه يجري عليه ما يجري على البشر {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]، {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} [الحديد: 22].
وحديث السحر هذا لا تأثير لمضمونه على الوحي، لأن الوحي محفوظ لقول اللَّه تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وقوله تعالى: {سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنسَى . إِلاَ مَا شَاء اللَّهُ} [الأعلى: 6].
وهل لنا أن ننفي النسيان عنه صلى الله عليه وسلم بحجة أن النسيان لا يجوز على الأنبياء؟ إنها حجة داحضة،