دعوة التوحيد
دعوة التوحيد يجب أن تستمر في كل زمان ومكان ؛ لأن الإسلام مبناه على التوحيد ، ذلك لأنه لا يصح شيء من فروع الدين بدونه . والقرآن كله في التوحيد فهو أي القرآن – إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ، وإما دعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه ، وإما أمر ونهي وإلزام بعبادة الله وطاعته ، وإما بيان عن عاقبة المؤمنين الموحدين وعاقبة الكفار والمشركين .
ومن أجل دعوة التوحيد تتابع الأنبياء والمرسلون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، من لدن آدم أبي البشر إلى محمد رسول الله وخاتم النبيين ، فكل رسول كان يستفتح دعوته ويختمها بالدعوة إلى توحيد الله وإفراده بالألوهية والحاكمية والذي يقرأ القرآن ويتبع قصص الأنبياء فيه يجد هذه الحقيقة واضحة جلية .
والدعوة إلى التوحيد هي أول ما يجب على الدعاة القيام به تأسيا بالرسل وخاصة سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم الذي قال لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن: (إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأني رسول الله …) .
هذا لأن التوحيد شرط في صحة الإيمان بالله كما قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) ، وقال تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) .
إن الإيمان هو الأساس الذي يقوم عليه بناء الإسلام كله ، وتصحيح الإيمان بالتوحيد ضروري لضمان سلامة البناء وحفظه من التداعي والانهيار (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين) .
وأمراض المسلمين الفردية والاجتماعية ترجع في الحقيقة إلى ضعف الإيمان في نفوسهم إلى درجة أصبح الإيمان معها مريضا أو ميتا .. والإيمان الذي يخالطه أي نوع من الشرك يفسده ويكون باطلا لا قيمة له في ميزان القرآن الكريم .
ولم يعترف القرآن بالإيمان الذي كان عليه المشركون وكم نعى عليهم رفضهم الإيمان بالله وحده قال تعالى : (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) وقال تعالى: (ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير) .
فالإيمان الذي يعتبره القرآن هو الإيمان الخالص ، الإيمان الحق الذي يحرر القلوب والشعوب من العبودية لغير الله بدعوى القداسة والوساطة عند الله أو بدعوى التشريع والحكم بغير ما أنزل الله .
أعود فأقول إن الدعوة إلى التوحيد يجب أن تستمر ؛ لأن المعركة بين التوحيد والشرك معركة طويلة ودائمة .
والشرك ما زال ولا يزال يظهر في صور شتى ، سواء في الأمم البدائية والامم المتحضرة وحتى المسلمون وهم أمة التوحيد سرت إليهم لوثة الشرك فأمسوا كجسم كان يوما صحيحا معافى ولكنه أهمل ولم يعالج أولاً بأول فكان أن تراكمت عليه الأوساخ فسببت الأمراض فكذلك المسلمون تراكم عليهم الجهل بالتوحيد وسرت إليه أنواع من الشرك وأكثرهم لا يشعرون .
وإن من واجب الدعاة إلى الإسلام الدعوة إلى التوحيد والقضاء على الشرك مهما تطورت مظاهره وأشكاله فدعوة التوحيد ثابتة وهي الأصل والمنطلق والله المستعان .
بقلم الأستاذ عبدالرحمن محمد العامودي
المدينة المنورة
معهد إعداد المعلمين