الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

خواطر حاج

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

موضوع العدد
من مدرسة الحج والصبر
خواطر حاج
بقلم الدكتور / محمد بن سعد الشويعر
مستشار مكتب سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية رئيس تحرير مجلة ‏البحوث الإسلامية ‏
الحج جامعة متكاملة بها شعب وفنون ، وعلوم ومعارف ، فهو يوطن النفوس ‏ويثقفها ، وهو يهديها ويعلمها ، فمن مدرسته تنهل النفوس ، وترتوي الأفئدة .‏
والحج كسائر العبادات في الإسلام ، علاوة على كونها عبادة تؤدى لله خالصة من ‏القلوب ، واستجابة للأمر الذي فرضه الله سبحانه : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ‏مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) [ آل عمران : 97] .‏
فإن هذا الأمر يربط المخلوق بالخالق ، ويرقق القلوب التي تؤدي هذه العبادة بنفس ‏راضية ، ورغبة فيما عند الله … ومع هذا فإن هذه النفوس تخرج من كثير من ‏العبادات في الإسلام بفوائد تلمسها ، ونتائج تحسها ذات أثر في الحياة معينة على ‏تخطي صعابها وتجاوز عقباتها .‏
والنفوس المتروية بمنهل الإسلام ، والمتشبعة من معينه ترجع الفوائد ‏والاستنتاجات إلى ما يؤثر في النفوس ، ويعود على المجتمع بالخير والنفع وفق ‏إطار الإسلام وقيمه العليا التي يتأسس عليها المجتمع المثالي بقيمه وأخلاقه ، ‏ووفق المعايير التي تحاول كثير من الأمم والأفراد على وضعها بنماذج المثاليات ‏التي تتطلع إليها ، فالإسلام بشرائعه وتعاليمه ، وباستنتاجات العارفين من كل ‏فن عن المردود من أوامره ونواهيه ، فإنه يأتي في القمة من كل أمر وفي المكان الرفيع ‏من كل نتيجة .‏
ويتضح مثل هذا مما أجراه الدارسون من مسلمين وغيرهم عن المردود لكل عمل يقوم ‏به الفرد في الإسلام ، مما يعود عليه وعلى أبناء مجتمعه بالخير والفائدة .‏
وهذه النتائج شهادات لمن لا يؤمنون إلا بما هو محسوس وملموس بأن الإسلام ‏علاوة على كونه بشرائعه مخاطبة للوجدان ، فهو رفيع المنزلة بالفوائد بعيدة ‏المدى ، التي تتجدد نتائجها مع كل جديد يطرأ في حياة الإنسان على وجه الأرض ‏‏، وفي هذا دلالة على عالمية الإسلام وديمومته ، وصلاحه لكل عصر ومكان .‏
سنأخذ اليوم درسًا من دروس الحج في الصبر ؛ لأن للصبر مكانة كبيرة في الإسلام ‏‏، فهو محور الأعمال ؛ والمسيطر على الانفعالات وسائر التصرفات .‏
وللصبر مكانة عامة في عقيدة الإسلام ، ومنزلة خاصة في كل عبادة من العبادات ، ‏فهي تنميه وتقويه ، وتؤصله وتدفع النفوس للتخلق به . ‏
وفي الحج نلمس مكانة الصبر في تهذيب النفس وتوطينها على أمور عديدة ، ‏فعندما تسير مع الحاج منذ أن يبدأ فكرة الحج ويستجمع نفسه وشئونه للمسير في ‏رحلته التعبدية مع الله في استجابة للأمر وطواعية في التنفيذ ، فإننا نلمس منه ‏أمورًا .‏
يتصبر في النفقة والتوسيع على نفسه حتى يجمع نفقة الحج التي يحرص بأن تكون ‏من مكسب حلال ، فيصبر على الشدة ، ويصابر نفسه عن الوقوع في الحرام ، أو أن ‏يدخل مكسبه جزءًا من الحرام .‏
وما ذلك إلا لأن الحج عبادة ، والعبادة لابد أن تكون مؤداة بطيبة نفس ، وطيبة ‏مكسب ، وطيبة عمل : ( فالله جل وعلا طيب ، ولا يقبل من الأعمال إلا ما كان ‏طيبًا ) .‏
ثم يصبر المحرم عن أشياء محظورة عليه ، هي في حياته العادية أمور مستحسنة ‏عنده ، وترغب فيها النفس ؛ فالطيب ولبس المخيط والأخذ من الشعر والظفر ، ‏ومقاربة النساء وغيرها من المحظورات ، يجد الإنسان مشقة في تركها ، ولكنه ‏الصبر الذي يحرص الإسلام على تمكينه من أبنائه في أعمالهم وقلوبهم ، ويتمثل ‏هذا الصبر في كل شعيرة من شعائره .‏
فالحاج يغالب نفسه ويدافعها عن الوقوع في هذه المحظورات ، وكلما حاولت نفسه ‏الاقتراب دفعه الصبر وحال بينه وبين مقاربة هذا الأمر .‏
فالطيب والنساء قد قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حبب إليَّ من ‏دنياكم : الطيب والنساء ) . وهما مما أباحه الله للإنسان ، لكنهما في الإحرام ‏وطيلة أيام معينة من الحج ، ما دام الحاج لم يتحلل التحلل الأكبر يعتبران من ‏المحظورات اللاتي لابد أن يصبر الحاج ويغالب نفسه عن عملها امتثالاً للأمر ‏واجتنابًا للنهي ، مع أنها من مألوفات حياته ، والأشياء المألوفة التي تملك النفس ‏‏، وذلك لكي يخرج الحاج بدرس جديد ، وهو أنه بالصبر يتم به قهر النفس ‏والتحكم فيها والتغلب على نوازعها ، كما أنه لابد من وضع هدف لذلك الأمر ‏ليزيد النفس حماسة واندفاعًا ورغبة في العمل ومحافظة على الجهد ، والهدف في ‏الحج هو الأجر الجزيل الذي وعد به الحج المبرور .‏
والمرأة تصبر عن الزينة والتجمل وهي مفطورة على هذا وجزء من كيانها وحياتها ‏‏؛ لأن في إحرامها تعويدًا لها على العمل الذي تستفيد منه في السيطرة على نزعات ‏النفس ، وعدم الاستسلام لرغباتها .‏
وفي الإحرام للرجل والبقاء على هذا اللباس من قطعتين غير مخيطتين ، وبدون ‏غطاء للرأس فترة طويلة هي المدة ما بين عقد الإحرام والتحلل الأصغر .‏
كل هذا فيه تعويد للنفس على التحمل ،

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا