التهاون بصلاة الجماعة
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز
رئيس إدارات البحوث والإفتاء والدعوة والإرشاد
بالمملكة العربية السعودية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، وفقني اللَّه وإياكم لما فيه رضاه، ونظمنى وإياكم في سلك من خافه واتقاه. آمين.
أما بعد:
فإن كثيرًا من الناس يتهاونون بأداء الصلاة في الجماعة، ويحتجون بتسهيل بعض العلماء في ذلك، فوجب عليَّ أن أبين عظم هذا الأمر، وخطورته، وأنه لا ينبغى للمسلم أن يتهاون بأمر عظَّم اللَّه شأنه في كتابه العظيم، وعظَّم شأنه رسوله الكريم، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، ولقد أكثر اللَّه سبحانه من ذكر الصلاة في كتابه الكريم، وعظم شأنها، وأمر بالمحافظة عليها، وأدائها في الجماعة، وأخبر أن التهاون بها، والتكاسل عنها، من صفات المنافقين، فقال تعالى في كتابه المبين: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ}.
وكيف نعرف محافظة العبد عليها، وتعظيمه لها، وقد تخلف عن أدائها مع إخوانه، وتهاون بشأنها؟ وقال تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} وهذه الآية الكريمة نص في وجوب الصلاة في جماعة، والمشاركة للمصلين في صلاتهم، ولو كان المقصود إقامتها فقط لم تظهر مناسبة واضحة في ختم الآية بقوله سبحانه: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية، وقال تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} الآية.
فأوجب اللَّه سبحانه الصلاة في جماعة في حال الحرب، فكيف بحال السلم؟ ولو كان أحد يسامح في ترك الصلاة في جماعة لكان المصافون للعدو، المهددون بهجومه عليهم، أولى بأن يسمح لهم في ترك الجماعة، فلما لم يقع ذلك علم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، وأنه لا ينبغي لأحد التخلف عن ذلك. وفي الصحيحين عن أبى هريرة رضي اللَّه عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا أن يصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم” الحديث.
وفي صحيح مسلم عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: ( لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق علم نفاقه أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة ) وقال: ( إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه ). وفيه أيضًا عنه قال: ( من سَرَّه أن يلقي اللَّه غدًا مسلمًا فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادي بهن، فإن اللَّه شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب اللَّه له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف ).
وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبى هريرة رضي اللَّه عنه أن رجلاً أعمى قال: يا رسول اللَّه: ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ” هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب”.
والأحاديث الدالة على وجوب الصلاة في الجماعة، وعلى وجوب إقامتها في بيوت اللَّه التي أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، كثيرة جدًا، فالواجب على كل مسلم العناية بهذا الأمر، والمبادرة إليه، والتواصى به مع أبنائه، وأهل بيته، وجيرانه، وسائر إخوانه المسلمين، امتثالاً لأمر اللَّه ورسوله، وحذرا مما نهى اللَّه عنه ورسوله، وإبعادًا عن مشابهة أهل النفاق، الذين وصفهم اللَّه بصفات ذميمة، من أخبثها تكاسلهم عن الصلاة، فقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً . مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً}.
ومتى ظهر الحق، واتضحت أدلته، لم يجز لأحد أن يحيد عنه لقول فلان أو فلان، لأن اللَّه سبحانه يقول: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْم