خطر الابتداع في الدين
بقلم فضيلة الشيخ محمد على عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة
كثر الجهل بالدين، وتفشت العامية الدينية بين الخاصة والعامة حتى أصبح الناس يعبدون ربهم بغير ما شرع، ويتقربون إليه بعبادات خالطها الابتداع في الدين، نتيجة الاستحسان في العبادات، والخضوع لأهواء وآراء المشايخ، فيما يتقرب به إلى اللَّه تعالى من شعائر موضوعة، سنها هؤلاء المشايخ بما لم ينزل اللَّه بها من سلطان. بعد أن أكمل اللَّه الرسالة المحمدية، وأتم النعمة على الأمة بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا}.
وكم زين الشيطان لعلماء السوء، أو أقطاب الطرائق المبتدعة، أنهم على الحق يسيرون، وبالسنة يعتصمون، والواقع أنهم يخلطون عملا صالحا وآخر سيئا، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وإذا كانت طريقة تسير على سنن شيخها، مخالفة لما تسير عليها الأخرى، فقد دبت الفرقة بينهم، حتى لا تنضوى فرقة تحت لواء الأخرى. ومن ثم تعددت الطوائف واختلفت الاتجاهات.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم، أن من الأمم التي قبلنا من افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وأن أمة أخرى افترقت على اثنتين وسبعين وستتفرق آمتي إلى ثلاث وسبعين، كلهن في النار إلا واحدة. قالوا وما هي يا رسول اللَّه؟ قال: ” من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي”.
وإذا كنا نعلم أن كتاب اللَّه حق، وأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم حق، فهل يعقل أن يتجزأ الحق ويتعدد؟
إن الطوائف التي تتعبد اللَّه بغير ما شرع. تبتدع في الدين ما ليس منه؟ وإليك مثالا من شدة حرص أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على السنة، وبغضهم البدعة:-
فقد ورد أن جماعة جلسوا بمسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، في حلقة يذكرون اللَّه جهرة، ومعهم زنبيل به حصى. فبلغ ابن مسعود أمرهم. فأتاهم وسألهم عما يصنعون. فقالوا نسبح ربنا ونحمده ونكبره. فقال ابن مسعود رضي اللَّه عنه: وما هذا الحصى؟ قالوا: نعد به تسبيحنا وتحميدنا وتكبيرنا. فقال: واللَّه إنكم لتعدون به سيئاتكم. إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر ( كناية عن قرب عهدهم برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل موته ) ثم تحدثون في دين اللَّه ما ليس منه. وأمر بإخراجهم من المسجد فأخرجوا.
هذا مثل من الابتداع في الدين بمساجد الرحمن. فما بالك بالبدع التي أحدثتها الصوفية، وأضلت كثيرا من الناس، وفتحت لهم باب الشرك باللَّه على مصراعيه كاتخاذ القبور مساجد، بحجة أن أصحابها أولياء لله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون- وهذا تأويل فاسد لمعنى الآية الكريمة، وإخراجه عن المعنى الصحيح. لأن الولاية أمر من اللَّه لا يطلع عليه أحد، فكل من صح إيمانه، وصلحت أعماله فهو في ولاية اللَّه تعالى سواء كان حيًا أو ميتا {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
فليس كل صاحب قبة وليا، وليس كل مقبور بمسجد. داخلا في رحمة اللَّه تعالى بل لو علم أنه سيدفن في مسجد، أو سيبنى على قبره مسجد ووافق على ذلك لاستحق اللعنة من اللَّه، والطرد من رحمته بدليل قوله صلى الله عليه وسلم فيما روته أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها ” لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد” وقوله صلى الله عليه وسلم ” اللهم لا تجعل قبرى وثنًا يعبد، لعن اللَّه قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”. والأحاديث في ذلك مشهورة يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع في محاكاتهم سدا لذريعة الشرك باللَّه. ولكن تقديس الصالحين، وإقامة الموالد لهم، واتخاذ قبورهم مساجد: كل ذلك ديدن الصوفية، ومن شايعهم من العلماء الذين يكتمون الحق وهم يعلمون.
نرى هذه الطوائف شوهت دين نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، وقوضت بنيانه بما أحدثت من بدع، وصارت سرطانا قضت على معالم الدين. وهم إن اختلفوا في عبادتهم وشعائرهم وأذكارهم. فقد استحوذ عليهم الهوى واتخذوا من المشايخ مشرعين {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ؟}.
ولقد حذرنا اللَّه من ذلك فقال: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
وقد جاءت النصوص الصحيحة من الكتاب المنزل، وع