خرافات تهدم التوحيد
بقلم: الشيخ محمد على عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة
من الكتب التي تتداولها الخاصة والعامة، والتي تسمم أفكارهم، وتعكر صفو أهل التوحيد الخالص، كتاب ألف فضيلة الشيخ محمد محمود إبراهيم عام 1941م بصفته رئيسًا لاتحاد العلماء آنذاك بعنوان حياة السيد البدوي.
وقد قرأته بمحض الصدفة في هذه الأيام، فوجدت الكتاب مشحونًا بالخرافات والترهات وبدلاً من أن ينصرف اهتمام المؤلف- وهو عالم نابه الذكر بين العلماء- إلى الذود عن الحق وبيان جلال الدين ومحاسن الإسلام، ونشر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للتأسى به، والتخلق بأخلاقه- إذا به يشيد بالسيد البدوي ويخلع عليه من الكرامات والخرافات ما لا يصدقه عقل رشيد.
والغريب في الأمر كيف يحتل العالم مركزًا أدبيًا مرموقًا بين العلماء، ولم يفرق في كتابه بين التوحيد الخالص لله، وبين الإشراك به، فيدعو إلى الضلال المبين.
ومما يلفت الأنظار أن المؤلف بدأ كتابه بخرافات يسميها كرامات البدوي من يوم أن حملته أمه إلى أن انتقل إلى ربه- ويقول إن هذه الكرامات انهالت على خلق اللَّه من يوم ولادته إلى زماننا هذا.
ولو أردنا حصر ما نسبه المؤلف من كرامات للبدوي زورًا وبهتانًا، لفاقت معجزات الرسل جميعًا.
ويعترف المؤلف وهو رئيس اتحاد العلماء أنه استقى معلوماته من الأفواه- كأنها وحي يوحى- ثم شبه البدوي بالخضر عليه السلام واستشهد بقصة موسى عليه السلام مع الخضر، ليؤكد أن للبدوي كرامات كما كان للخضر- وفاته أن اللَّه تعالى أظهر على يد الخضر تلك الكرامات تعليمًا لموسى عليه السلام. فأين الثرى من الثريا. فكرامات الخضر أثبتها القرآن الكريم عبرة وتعليمًا وإرشادًا لموسى عليه السلام. وكل ما يقال عن البدوي فالقصد منه رفع شأنه حيًا وميتًا، للانتفاع من وراء هذه الضلالات لجلب المنافع الذاتية، إما للاصطياد من وراء النذور التي تنذر له، وإما للصدقات التي تهدى إلى سدنته، اعتقادًا من المتصدقين أن هؤلاء السدنة لهم مزيد الصلة بالبدوي الذي يملك من الأمور ما لا يقوى عليه إلا رب العالمين- ولو أرشدهم السدنة إلى أن البدوي في عداد الموتى الذين قال اللَّه فيهم: {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} لتوقفت النذور، وتعطلت الهدايا والصدقات- ولكن لهم يوم عند رب العالمين، لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى اللَّه بقلب سليم، معمور بتوحيد اللَّه، وخالٍ من الشرك به، وامتلأ بنور الإيمان الصحيح.
ومن الخرافات التي ذكرها المؤلف قوله في صفحة 42 من كتابه ( أن البدوي كان يتحدث مع الخلق بالإشارة، حرصًا منه على مواصلة الذكر والعبادة ) وقوله في نفس الصفحة: ( إن إرادة البدوي فوق ما تتصوره العقول، لأنه كان يمكث الأربعين يومًا لا يذوق فيها طعامًا ولا شرابًا ولا نومًا. ومع ذلك لا يشعر بشيء من النصب أو التعب ) فأي ذي لب، أو شعبة من الإيمان يصدق أكاذيب ما أنزل اللَّه بها من سلطان؟
ويمضي المؤلف في إطراء البدوي، مشيدًا بموالده فيقول بصفحة 44: ( للموالد حكم وفوائد أهمها أنها سبب في اجتماع أكبر عدد ممكن من الناس حول هدف واحد هو تكريم صاحب المولد والإشادة بصلاحه وتقواه… ) وقد فات المؤلف أن الموالد بدعة دخيلة على الإسلام، وما هي إلا أعياد للموتى- ولو كانوا صالحين- تفتح باب الشرك باللَّه على الناس، تهدر فيها المكارم على مذبح الفضائل، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فيما رواه مالك وأبو داود ” اللهم لا تجعل قبري عيدًا- اشتد غضب اللَّه على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” فكيف يدعو مؤلف الكتاب إلى مخالفة أمر نبوي كريم؟ أليس ذلك مشاقة لله ورسوله. واللَّه تعالى يقول: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]- وبالإضافة إلى أن الموالد ليست من الإسلام، فقد لعن اللَّه من بنى مسجدًا على قبر، سدًا لذريعة الشرك باللَّه، حيث تتعلق قلوب الناس بالقبر، وتسأله من دون اللَّه، وتطوف به، ويقف الزائرون حوله وقفة الخاشعين.
وفي صفحة 46 من الكتاب المذكور يقول مؤلفه ( فمنذ وفاته- أي البدوي- وموالده تقام بانتظام سنويًا، والمولد الكبير هو العنوان الماثل لهذه الموالد ) إلى أن قال: ( فلا ترى دارًا ولا أرضًا فضاء في طنطا إلا وقد ملئت بهؤلاء القوم ينصبون خيامهم ويحضرون بعائلاتهم ويوفون بنذورهم، وينحرون الذبائح ويوزعون لحومها لله- كذا- ).
أما إقامة الموالد، فقد أسلفنا أن ذلك إثم وضلال، وأما أن يهرع الناس إلى طنطا في مناسبة المولد، فهذا شد للرحال لزيارة قبر، مما نهى عنه الإسلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، جعل شد الرحال نوعًا من العبادة، وحصرها في ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد النبوي الشري