خاتمة الرسالات …
وخصائص الأمة التي حملت أمانتها ..
بقلم الأستاذ : مصطفى برهام
نائب رئيس فرع الجماعة بالمحلة الكبرى
*********
لماذاختار الله الأمة العربية في الجزيرة العربية لتشرف بحمل الرسالة الخاتمة ؟ رسالة التوحيد .. دعوة الحق- النور الساطع الوضاء الذي أرسله الله ليبدد غياهب الظلمات في ربوع الأرض .
ولكي نجيب عن هذا السؤال لا بد لنا من دراسة منصفة واعية لحقب التاريخ ، ولأمم الأرض قبل بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين- صلى الله عليه وسلم- ، وسيتضح لنا من خلال تلك الدراسة أن أمم الأرض كانت تنقسم إلى نوعين : أمم حضارية قوية ، وأمم جاهلية مستضعفة . أما النوع الأول فأمم لها مدنيات ، وفيها علم وقوة ، استطاع أبناؤها والدنيا تسبح من حولهم في ظلمات الجهالة أن يعمروا الدنيا ، ويشيدوا الحضارات .. هذه الأمم التي امتازت على غيرها من الأمم في العلوم والهندسة والعمارة والزراعة والفلك والفنون والفلسفة والآداب كانت أكثر أمم الأرض ضلالا وابتعادا عن الوصول إلى حقيقة وحدانية الله بل إن بعض هذه الأمم ممن أرسل الله إليها رسلا كانت حربا على رسالات هؤلاء الرسل ، وحجر عثرة في سبيل إنتشار الحق المتمثل في دعواتهم ، ولذلك لم يكن عجيبا أن نرى في التاريخ أن عذاب الله الجماعي لم يقع إلا في أمم لها حضارات ، ونضرب لذلك أمثلة متعددة :
الفراعنة : قوم انبثقت من على ضفاف نهرهم النيل أعظم حضارة عرفها التاريخ ، ولا تزال آثارها شاهدة بذلك ، بل أن تلك الحضارة كانت أصل حضارات أخرى نهلت منها ربما إلى أيامنا التي نعيشها الآن ، ولكنهم رغم علمهم وتقدمهم في ميادين العمارة والتشييد والزراعة والطب والفلك والفنون ، كانوا أبعد أمم الارض عن معرفة الله عز وجل وعبادته وحده ، ولذلك ضلوا في عبادتهم فعبدوا النيل ، وعبدوا الشمس ، وعبدوا العجل ، وعبدوا ملوكهم ، ولما جاءهم موسى عليه السلام بدعوة التوحيد ، قاوموا دعوته أشد مقاومة ، وأخذهم الله بعذاب جماعي فأغرق فرعون وجنوده .
الفرس : أسسوا حضارة ضخمة في البناء والتشييد ، وصناعة أرقى أنواع الأقمشة الموشاة بالذهب ، ولا يزالون إلى اليوم في إيران يشتهرون بصناعة أفخر أنواع السجاد في العالم ومع كل تلك الحضارة كانوا يعبدون النار .
الاغريق : وقد كانوا ذروة الحضارة العقلية ، ظهر فيهم سقراط وأفلاطون وأرسطو .. وكانوا قمة في الفكر العقلي المجرد الذي يبحث في أصل الكون ،ولكنهم كانوا يعتقدون بوجود آلهة متعددة ، ولا تزال أساطيرهم تحكي لنا كيف وهموا أن لكل شيء ربا ، للأرض رب ، وللجبال رب ، وللبحر رب ، وللحب رب ، وللحرب رب ، وللجمال ربة ، وفوق هؤلاء الأرباب (( زيوس)) رب الأرباب الذي يحكم هؤلاء الأرباب ، ويسكن جبال الأولمب ، ويقضي في الخلافات التي تثور بين هؤلاء الأرباب ، ويعاقبهم إذااقتضى الأمر .. وقد اجتاحهم الرومان واستذلوا رقابهم .
الهند : ولها حضارة موغلة في القدم في العمارة والزراعة .. وهم عبدة البقر.
الصين : ولها حضارة ضخمة في التشييد ينطق بذلك سور الصين العظيم الذي يعتبر إحدى عجائب الدنيا السبع .. ومع ذلك فهم بوذيون يعبدون بوذا من دون الله .
اليمن : ولها حضارة حفظها التاريخ .. فهم قوم برعوا في الزراعة وفي اختزان مياه الري ، وأقاموا السدود قبل أن يعرف العالم ما هي السدود ، أقاموا سد (( مأرب )) الضخم وكانوا يعبدون الشمس ، وقد دمر الله حضارتهم بسيل عارم ، ويحكي لنا القرآن الكريم ذلك في سورة سبأ حيث يقول الله تعالى ( لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ، ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور(
بابل (العراق) : ولها حضارة سجلها التاريخ في الزراعة والعمارة ومع ذلك كانوا يعبدون النجوم ويمثلون لها أصناما في معابدهم .
وحتى بعد أن دانت تلك الأمم بالإسلام ، وآمنت به دينا ارتضاه الله لعباده ، فقد بقيت في وجدان أبنائها رواسب ومواريث معتقداتهم القديمة ، وسرعان ماظهرت فيها انتكاسات نشأت على أثرها الفرق المتعددة التي نخرت في بناء الإسلام الشامخ، ولا تزال تنخر فيه حتى الآن ، فظهرت الشيعة في العراق ، والإمامية في اليمن ، والبهائية في ايران (فارس) ، والقاديانية في الهند ، والطرق الصوفية وعبادة الموتى في مصر .. والسبب في ذلك أن النعمة في الأمم الحضارية أبطرت أبناء هذه الأمم ، والحضارة أطغتهم ، وتحول كل ذلك في أيديهم إلى صلف وغرور وتكبر وتجبر وترف جعلهم يتعالون على أي دعوة ، ويصمون آذانهم عن كل حق .. ولذلك كان فساد الفطرة فيهم فسادا أصيلا لا طارئا .
وأما النوع الثاني من الأمم فكان على نقيض الأمم الحضارية ، فهي أمم كانت مستضعفة ذليلة ، وهي وإن اختلفت في نظام الحياة المادي عن أمم الحضارات