2- حول المشهد التوحيدي … والدكتور مصطفى محمود
بقلم: محمد عبد الله السمان
– 2-
إن الكاتب الدكتور مصطفى محمود يسوق إلينا في مقاله الذي نشر في مجلة (صباح الخير) تحت عنوان: السر الأعظم.. المشهد التوحيدي وكشف الحجاب. يسوق إلينا كلاما متداخلا في آراء ابن عربي، والكلام نفسه مضطرب بين الرفض والقبول لهذا العبث الذي أطلقوا عليه اصطلاحات ما أنزل الله بها من سلطان:
(ويصف العارفون هذا المشهد التوحيدي.. بأن جميع الرسوم والمعالم المادية تختفي فيه وتمحق.. وكذلك جسد العارف ذاته يختفي.. ويتجرد العارف إلى وعي مطلق لا جسد له… يرى أينما تولى نورا لا كيف ولا وصف ولا حدود ولا جهة… ويقول الصوفي في حيرة: زج بي في الأنوار… وقد يؤدي هذا المشهد إلى حالة من الذهول والجذب والجنون وفقدان العقل… وقد يصاحبه فناء عن الفناء وغيبوبة فيصرخ الصوفي وهو في حالة سكر: أنا الله سبحاني ما أعظم شأني.. ويصف ابن عربي مثل هذه الدعاوي بأنها عدم كمال وعدم تمكين وسوء أدب من المريد على بساط الأنس الذي مده له…) لكن الكاتب يعود فيقول:
(ويصف ابن عربي هذا المشهد بأسلوبه الإشاري الجميل قائلا:
.. إذا فنى ما لم يكن.. وبقى ما لم يزل .. حينئذ تطلع شمس البرهان لإدراك العيان فيقع التنزه المطلق المحقق في الجمال المطلق وذلك عين الجمع والوجود .. ومقام السكون والجمود .. وهذا الفن من الكشف والعلم يجب ستره عن أكثر الخلق.. فغوره بعيد والتلف فيه قريب.. فإن من وقف في هذا المشهد دون تمكين ربما قال: أنا من أهوى ومن أهوى أنا.. فبهذا نستره ونكتمه.. وفي هذا المقام قال الحلاج:
ما زجت روحك روحي فـي دنـوي وبعـادي
فكمـا أنـت كـمـا أنـك أنـي ومـرادي
وقال – أي الحلاج قولته المشهورة: (ما في الجبة إلا الله) وهو كلام فيه دعوى اتحاد وألوهية ووحدة وجود يحظرها الشرع .. ثم يواصل الكاتب كلامه بعد هذا الاعتراف منه فيقول:
(ويعتذر الصوفيون للحلاج بأنه كان غائبا عن وعيه.. فانيا عن نفسه، مخطوفا بصولة الحق.. سكران بالمشهد الأقدس.. وأيا كان تفسير الصوفيين.. والكلام للكاتب.. فقد نزل الحلاج بهذا عن رتبة الكمال والتمكين).
لكن الكاتب يعود مرة أخرى فيعرض رأيا لابن عربي مؤيدا لما سبق اعتراضه عليه.. (فالصوفي في المشهد النوراني يصل إلى أعلى درجة في معراجه، وهى اللحظة التي تنمحي فيه الصفات المتقابلة.. وتنمحي الجهات مع بقاء عينه – أي ذاته – في مقام لا مقام.. أو مقام الجمع بين الضدين.. والإنسان في هذا المقام يصبح وجها كله: أي ذاتها مجردة عن الجسمانية).
والحق أن الكاتب بعد أن عرض لنا الكثير من هذه الشطحات الضالة المضلة، عاد يعترف بما هو الحق.. فيقول:
( ولم يخل الإسلام من صوفيين .. أخذتهم حالة السكر والجذب.. فشطحوا وخرجوا على الشريعة.. فهذا الحلاج يقول: أنا الله: . وما في الجبة إلا الله.. حتى ابن عربي برغم تحذيره من هذا السكر والشطح، إذا به يصرح هو الآخر في حالة جذب هاتفا:
.. مذ تألهت رجعت مظهرا وكذا كنت فبي فاعتصموا
ليس في الجبة شيء غير ما قاله الحلاج يوما فانعموا
ويصرخ ابن عربي في مكان آخر:
وليس إلا الحق لا غيره فعينه الظاهر نعت العبيد
ولا تقل بأنـه عينهـم بل قل كما قلته لا تزيد
ثم يقول الكاتب:
.. والفتوحات المكية مليئة بمثل هذه الشطحات .. ولكن ابن عربي يعود في صحوته وفي مجمل مذهبه وتفكيره فينكرها تماما، ويحذر منها، ويستعيذ بالله من أن يختم له بالخذلان.
أما أن الفتوحات المكية مليئة بالشطحات .. فهذا حق.. وأما أن ابن عربي قد تراجع عن مذهبه.. فهذا مما يحتاج إلى سند من التاريخ.. ولا سند.. فمذهبه الضال المضل لا يزال له رواسب في عقول المفتونين به.
وإذا كان جميلا من الكاتب أن يعرض علينا نماذج من ضلالات ابن الفارض وينقدها. مثل ما قاله عن لسان ربه.
.. وإن عبد النار المجوس وما انطفت
كمـا جاء في الأخبار في ألف حجة
فما قصدوا غيري وإن كان قصدهم
سـواى وإن لم يظهروا عقدنيـة
رأوا ضوء نوري مـرة فتوهمـو
نارًا فضلوا في الهدى بالأشعـة
فلست أدري لم ختم مقاله بمثل هذه الكلمات:
(أما الآخرون من مدعى العلم وأهل التفاصح والتعالم فتنطبق عليهم كلمة القرآن: {كل حزب بما لديهم فرحون}.. وهم المتعصبون الذين أغلقوا عقولهم وتصوروا أن ما عندهم من العلم هو كل العلم)..
إذا كان الكاتب – ولا نرجو له ذلك – يشير إلى أن هناك علما ظاهريا وعلما باطنيا، وأن على علماء الظاهر – وهم علماء الشريعة – ألا يغلقوا عقولهم، وألا يتوانوا في غوص علم الحقيقة.. أو على الأقل ألا يعترضوا .. فإن قوله مردود عليه.. فالإسلام لا يعترف إلا بالشريعة ويرفض الباطنية لأنها ليست إلا معاول هدم له.. أما قول الكاتب في سطوره الأخيرة:
(وإذا كان القارئ قد خرج من هذه المقالات بعظمة المعارف الإلهية، وبعد أغوارها، وقلة نصيبه منها.. فقد خرج بش