حول المشهد التوحيدي
والدكتور مصطفى محمود
بقلم الأستاذ محمد عبد الله السمان
– 1 –
كتب الدكتور مصطفى محمود مقالاً في عدة صفحات في مجلة صباح الخير تحت عنوان : المشهد التوحيدي ، وكشف الحجاب . والمقال من أوله إلى آخره ألغاز ومتاهات لا أول لها ولا آخر ، وخلط عجيب من الترهات التي لا يحفل بها الفكر الإسلامي الأصيل وحسبنا أن الكاتب سامحه الله : قد رافق ابن عربي في مقاله ، وابن عربي من أبرز دعاة الهدم للشريعة الإسلامية ، وأحد العناصر التي أسهمت إسهامًا كبيرًا في تشويه صفحة التاريخ الإسلامي بباطنيتهم المنبوذة ، وبنظرياتهم الفاسدة ، كالإشراق والحلول ووحدة الوجود .
ينقل الدكتور عن ابن عربي هذا الكلام :
فالأسماء الإلهية أزلية قديمة .. والأعيان الثابتة – وهي أصل الخلائق أزلية قديمة .. ولها أحقية مثلما لله أحقية .. ثم يقول : إن الأسماء هي عين المسمى ، وإن أعيان الخلائق هي في علم الله أزلاً قبل إيجادها ، وهي تحت حكمه وهيمنته. وبذلك تنضوي هذه الكثرة الكثيرة مرة أخرى في الواحد . وتندرج الأعداد في الواحد .. ويعود الموضوع إلى لغز الأحد جل جلاله .. لا إله إلا هو وحده لا شريك له .
والسؤال الذي يعرضه الكاتب :
أليس لنا من سبيل إلى الخروج من هذه الكثرة المتكثرة ، وشهود الله في وحدانيته ؟؟ والجواب في رأي الكاتب : نعم ولا .. إذ لا مدخل لأحد إلى رؤية الذات .. فهذا غيب الغيب . ولكن مجلى أنوار الذات .. أو سبحات النور التي حول الوجه .. للعارف إليها مدخل وذلك بالخروج من عالم الكثرة ، وهذا هو النفاذ من أقطار السموات والأرض .. ولا يكون ذلك باجتهاد أو علم نقلي أو كسبي ، وإنما بفضل إلهي وسلطان إلهي .. بعد تصفية النفس وتطهيرها وإعدادها لهذا المشهد العلمي : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَ بِسُلْطَانٍ } ، وهذا هو المعراج إلى حضرة الرب ، وهو حظ النبي والعلماء الوارثين السائرين على قدمه ، ومحمد عليه الصلاة والسلام هو الوسيلة إلى هذا الفضل { وابتغوا إليه الوسيلة } .
ونحن إذا تركنا جانبًا شطحات ابن عربي وأضرابه حتى لا نزج بالقارئ في متاهات فلا يمكن التجاوز عن استغلال النص القرآني للانحراف به عن مقاصده . فالآية : يا معشر الجن والإنس .. لا صلة لها من قريب أو بعيد بالمعراج إلى حضرة الرب .. وأبسط البسطاء يدرك ذلك دون أدنى جهد ذهني .. فالآية الكريمة وردت في مقام التهديد والوعيد للثقلين : الجن والإنس . فقبلها : سنفرغ لكم أيها الثقلان .. فبأي آلاء ربكما تكذبان . وبعد الآية التي استشهد بها الكاتب مباشرة : { فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ؟
فأية صلة بعد ذلك بين هذه الآيات الكريمة ، وبين المعراج إلى حضرة الرب والمشهد التوحيدي ، وكشف الحجاب كما زعم الكاتب ؟
والكاتب مرة أخرى يدعي أن محمدًا عليه السلام هو الوسيلة التي وردت في الآية الكريمة . وابتغوا إليه الوسيلة . ولست أدري من أين للكاتب هذا الرأي العجيب الذي لم يقل به مفسر له قدره .. فالتوسل المقصود في الآية هو العمل الصالح ، ولو كتبت الآية كاملة لوضح ذلك جليًا !
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .
وعجيب بعد ذلك قول ابن عربي الذي يعتز به الكاتب :
إن التصفية الفلسفية والأخلاقية عن غير طريق نبي أو شرع ، يمكن أن تؤدي إلى حالات كشف ، عن طريق الأرواح الملكية ، ولكن لا يتجاوز الأمر انتقاش بعض صور الملكوت في النفس ..
وهذا حدها .. وهذا ما نراه بين رهبان البوذية واليوجا أو زهاد الصوامع كما يعقب الكاتب على كلام ابن عربي .. ومثل هذا الخلط في حاجة إلى تعليق .
ثم يقول ابن عربي عن بداية سيره في الطريق :
خرجت عن كل ما أملك خروج الميت من أهله وماله …
ويعقب الكاتب مستسيغًا مثل هذا السلوك :
وهذا رمز جميل لفعل التجرد والتصفية والتخلية التي ذكرناها . فهنا نرى الصوفي يخرج عن ماله وجاهه وسلطانه .. وجميع حظوظه الدنيوية ويتجرد لربه.
يا للَّه .. يبدوا أن ابن عربي وأضرابه كانوا أصحاب دين لا يمت إلى الإسلام بصلة ، ولقد قدر لهذا المنهج الزائغ أن يتفشى لما كان هناك معنى للحياة بأسرها لا ضرورة للزكاة .. ولا ضرورة للجهاد ، ولا ضرورة لقيام أمة مسلمة تأمر بالمعروف .
وتنهى عن المنكر .. لا ضرورة للسعي من أجل الرزق .. ولا للتجارة ولا للصناعة .. ولا للعمل .. بل لكان معنى هذا أن الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الصحيحة التي دعت إلى الكدح في الحياة ابتغاء الرزق ، لم توجه إلى المسلمين ، وإنما وجهت إلى أوروبا وأمريكا وما