حوار حول التوسل والوسيلة
يجريه
الدكتور محمد جميل غازي
– 4-
* فإن قال قائل: لماذا تمنعون التوسل بذوات الأنبياء والصالحين، مع أن حديث الأعمى الذي سبق أن استشهدت به دليل على إثبات التوسل بالذوات لا على نفيه.
* قلنا له: إن خلاصة معنى حديث الأعمى، الدعاء من الأعمى، والدعاء له من النبي صلى الله عليه وسلم ، والدعاء وطلبه مشروعان، ومن دعا لغيره كان شفيعًا له. ومنه الدعاء للميت، كما ورد: ( وقد جئناك راغبين إليك، شفعاء له ) فالأعمى طلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعا له، والدعاء شفاعة، وهو دعا اللَّه أن يقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه- أي: دعاءه له- ولا يمكن للمتوسلين بالنبي عليه الصلاة والسلام اليوم أن يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهم وشفع فيهم حتى يسألوا اللَّه أن يقبل شفاعته لهم، ويستجيب دعاءهم.
* فإن قال قائل: قد جاء في حديث رواه أحمد في مسنده وابن ماجة عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه علم الخارج إلى الصلاة أن يقول: ” وأسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا، ولا رياء، ولا سمعة، ولكن خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك” ففي الحديث توسل وإقسام على اللَّه بحق السائلين وبحق الممشى.
* قلنا له إن في إسناد هذا الحديث عطية العوفي- وهو ضعيف- وعلى فرض صحة الحديث، فإن حق السائلين هو الإجابة التي وعدها اللَّه تفضلاً منه لهم، فيكون سؤال اللَّه بهذا الحق، سؤالاً بما هو من صفاته تعالى وأسمائه، وهو: ( المجيب ) فلا حجة في ذلك للمتوسلين بذوات المخلوقين وصفاتهم.
* فإن قال قائل: إن للمستغاث به قدرة كسبية وتسببية، فتنسب الإغاثة إليه بهذا المعنى.
* قلنا له إن كلامنا فيمن يستغاث به عند إلمام ما لا يقدر عليه إلا اللَّه تعالى، وأما في ما عدا ذلك مما يجري فيه التعاون والتعاضد بين الناس، وإغاثة بعضهم بعضا، فهذا شيء نقره ولا ننكره، كيف واللَّه تعالى يقول: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15].
إننا نعد منع هذا النوع من الاستغاثة جنونًا وجهلاً.
كما نعد إباحة الاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا اللَّه تعالى شركًا وضلالاً !
* * *
* فإن قال قائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال: ” توسلوا بجاهي فإن جاهي عند اللَّه عريض” أو ” عظيم”.
* قلنا له: لا شك أن جاه النبي صلى الله عليه وسلم عظيم عند ربه.
ولكن الشك في قول النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الكلام، يقول ابن تيمية ( ص 132 قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ): ( إن هذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث، ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث ).
* * *
* فإن قال قائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور”.
* قلنا له: ما قاله ابن تيمية أيضًا من أن هذا الحديث كذب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم ( ص 157 من المصدر السابق ).
* وقلنا له- أيضًا- كيف يأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم باللياذ بالموتى، وهو الذي نهى أمته قبل أن يموت بخمس عن تشييد القبور والقباب حيث يقول: ” لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد” تقول أمنا عائشة رضي اللَّه عنها: ” كان يحذر ما صنعوا”.
ثم… كيف يأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نلجأ إلى الموتى، وربه سبحانه وتعالى يأمره، ويأمرنا بأن نلجأ إلى الحي الذي لا يموت: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ} [الفرقان: 58].
* فإن قال قائل: إن اليهود كانوا يستفتحون بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، ويسألون اللَّه به، يقول اللَّه تعالى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].
* قلنا له: إن الآية تشير إلى أن اليهود كانوا يقولون للمشركين: سوف يبعث هذا النبي، ونقاتلكم معه فنقتلكم، وهذا هو المعنى الثابت عند أئمة التفسير الموثوق بهم، وهذه الآية نظير قوله تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ} والاستفتاح: طلب النصر.
* * *
فإن قال قائل: إننا عصاة مذنبون، وإن هؤلاء أطهار بررة، فنحن نتوسل بهم، لأننا لا نستطيع أن ندعو اللَّه مباشرة !
* قلنا له: شبهتكم يا هؤلاء كشبهة المشركين الذي كانوا يخلعون ملابسهم ويطوفون عراة… ويقولون: كيف نعبد اللَّه في ثبات عصيانه فيها..!
* * *
* فإن قال قائل: إن التوسل من الأسباب العادية لإجابة الدعاء.
* قلنا لهم: مثلكم في هذا كمثل الذي يقول: إن الأكل يشبع غير الآكل
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة