حكم بناء المساجد على القبور
للأستاذ محمد علي عبد الرحيم
بالرياسة العامة لتعليم البنات بالرياض
حرم الإسلام البناء على القبور أيا كانت ، ومهما بلغت درجة صاحب القبر في الصالحين ، سدًا لذريعة الشرك ، ولما في ذلك من معالم الوثنية .
كما أن القبور ( بهذه الصورة ) تفتن الناس ، وتبعدهم عن الحق ، وتخلع على صاحب القبر قداسة ، تنتهي إلى الشرك باللَّه .
روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال : قال علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه : ” ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته ” .
فالشريعة التي جاء بها نبي الهدى ( تدعو إلى تحطيم التماثيل وإزالتها ، كما تنهى عن البناء القبور ، وتأمر بتسويتها بالأرض ، خشية المغالاة في محبتها ، ثم تقديسها تقديسًا يمتزج بسؤالها من دون الله .
والحكمة في تحطيم التماثيل : مضاهاتها لخلق الله سبحانه ، كما أنها مدعاة لتعظيم أربابها ، ثم تقديسها من دون الله . وهذا هو الذي وقع فيه قوم نوح عليه السلام .
قال اللَّه تعالى يحكي عنهم في سورة نوح : { قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَ خَسَارًا . وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا . وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } ، كانوا قومًا صالحين من بني آدم ، وكان لهم أتباع يقتدون بهم . وقالوا : لو صورناهم ( أي قمنا بعمل تماثيل على صورتهم ) : كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم فصوروهم . فلما ماتوا وجاء آخرون . دبّ إليهم إبليس ، فقال : إنما كانوا يعبدونهم ، وبهم يسقط المطر ، فعبدوهم .
فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما : ” أن هؤلاء كانوا قومًا صالحين من قوم نوح ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوروا تماثيلهم ، ثم طال عليهم الأمد ، فعبدوهم ” .
فسدًّا لذريعة الشرك ، وسوء المغبة ، حتى لا تقع الأمة فيما وقع فيه غيرها ، حرم الإسلام إقامة التماثيل ولو كانت للصالحين ، مخافة تعظيمهم ، والعكوف عليهم .
أما البناء على القبور في المقبرة ، فلا خلاف في تحريمه ؛ لأن فيه إضاعة للمال ، وكسبًا للسمعة ، والفخر والمباهاة .
ولذا أوجب الإسلام تسوية كل قبر ارتفع عن الأرض ، سواء ارتفع سمكها أو بنيت عليها قباب ، أو أقيمت الشواهد أو المشاهد عليها .
وأما بناء المساجد عليها : فهو المصيبة العظمى ، والطامة الكبرى التي أوقعت كثيرًا من الناس في شرك عظيم ، وضلال مبين ، ولذا فإن من بنى مسجدًا على قبر صالح من الصالحين ، حبط عمله ، ولم يكن له من الأجر شيء، بل استحق اللعنة جزاء مشاقته لله ورسوله .
ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال : ” قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ” . ومعنى قاتل : أي لعن . فبناء المساجد على قبور المشايخ والصالحين ، يعتبر تقليدًا لبناء الكنائس التي شيدت وحملت أسماء الأحبار والرهبان ، وهذا أمر يستوجب اللعنة لفاعله .
ولذا لا يجوز اتخاذ المساجد على قبور الصالحين ، لما يصيب ذلك من اللعنة؛ لأن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات ، والصلاة عند قبورهم .
وفي كتاب الزواجر لابن حجر يقول : ” وتجب المبادرة لهدم المساجد والقباب التي على القبور ؛ إذ هي أضر من مسجد الضرار . لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلمالذي نهى عن ذلك ” .
كما تجب إزالة كل مصباح أو قنديل أو سراج على قبر ، ولا يصح وقفه ونذره . انتهى .
كما أفتى الشافعي رحمه اللَّه تعالى بتحريم تعظيم المخلوق ، حتى يجعل قبره مسجدًا خوف الفتنة على من بعده من الناس .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مشفقًا على أمته ، من أن تنزلق في فتنة المغالاة بمحبة الصالحين ، فتتخذ قبورهم مساجد . فكانت من وصاياه الأخيرة قبل موته عليه الصلاة والسلام .
جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت : ” لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم( أي في مرضه الأخير ) ، طفق يطرح خميصه على وجهه ، فإذا اغتم كشفها ، فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى فقد اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . يحذر ما صنعوا ” .
وفي الصحيح عن عائشة رضي اللَّه عنها : أن أم سلمة رضي اللَّه عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلمكنيسة رأتها بأرض الحبشة ، وذكرت له ما رأت فيها من الصور . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا أو صوروا فيه تلك الصور . أولئك شرار الخلق عند الله ” .
وإذا تقرر ذلك علمت مدى ما يصيب المتسبب في بناء المسجد على القبر ، من اللعن والطرد من رحمة الله تعالى ، وهو يحسب أنه يحسن صنعًا ، وسبب ذل