جهاد النفس
بقلم الأستاذ الشيخ سيد سابق
مدير عام الدعوة بوزارة الأوقاف
1- كل فرد مسئول عن تهذيب نفسه وإصلاحها ، وذلك هو السبيل إلى الفوز والفلاح ، كما أن إهمالها هو السبيل إلى الخيبة والخسران .
يقول الله سبحانه : (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) سورة الشمس : الآيات : 7 ، 8 ، 9 ، 10.
2- وإصلاح النفس يتمثل في أمرين :
(أ) كبت الشهوة .
(ب) التخلص من الهوى .
أما كبت الشهوة فإن القصد منه ضبط الرغبات والميول والغرائز بحيث لا تتجاوز ما أحل الله .
وليس القصد منه قطعها بالكلية ، فإن ذلك مما لا يُستطاع .
والإنسان له شهوات متعددة :
منها شهوة البطن
ومنها شهوة الفرج
ولكل عضو شهوة خاصة به ، وكل شهوة تحقق غرضًا من الأغراض .
وإذا أطلقت هذه الشهوات ولم توضع لها قيود نـزعت بالإنسان إلى شر منـزع وكانت مدمرة لحياة الفرد والجماعة بحسب قوتها وعنفها وانطلاقها .
ومن ثم كان من الواجب رياضة هذه الشهوات بالرياضة الدينية حتى تحقق الغرض منها دون أن تكون لها عواقب سوء .
والرياضة الدينية لا تمنع المرء من شهوة البطن ولكنها تدعوه إلى أمرين :
1- أن يكون الأكل والشرب من حلال .
2- وأن يكون تناوله لهما في اعتدال .
(يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) .
وهي لا تمنع من شهوة الفرج ولكنها ترشد إلى الأسلوب الكريم :
أسلوب الزواج الذي يتناسب مع شرف الإنسان .
(فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) يا معشر الشباب .
وهي لا تمنع من شهوة الكلام ولكن تقول له :
(وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)
وهي لا تمنع من شهوة الإبصار ولكن تقول له :
(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) .
سورة النور الآية رقم 30 – 31 .
وهي لا تمنع من شهوة السمع ولكن تقول له :
(فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب ).
(وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين).
بل إنها لتشبع شهوة العقل بدعوته إلى التفكير والنظر في ملكوات السموات والأرض :
(قل انظروا ماذا في السموات والأرض)
على ألا يتجاوز ذلك حدود مدارك العقل .
(تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره).
إن الإنسان مسئول عن ضبط نفسه ورياضة شهواته حتى تسير في خط منتظم كي تصل إلى غاياتها العليا ومقاصدها الصالحة دون أن يعوقها عائق : (إن السمع والبصر والفؤاذ كل أولئك كان عنه مسئولا) ، (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) ، (حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون).
وأما التخلص من الهوى فإنه يحتاج إلى مجاهدة شاقة وصبر ومصابرة ، فإن طريق الوصول إلى الكمال ليس مفروشًا بالورود ولا بالرياحين :
كذا المعالي إذا ما رمت تدركها فاعبر إليها على جسر من التعب
وللنفس أهواء متعددة : منها الشهوات التي ذكرناها ومنها ما هو أخطر كشهوة الجاه والشهرة وشهوة الحكم والسيطرة .
ومتى استبد الهوى بالنفس قادها إلى الشر والفساد ، وصدها عن الهدى والرشاد ، وصرفها عن الحق والخير .
( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) سورة ص الآية رقم 26 .
(فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) سورة القصص الآية رقم 50 .
وهوى النفوس ميل طبيعي لا يقوى الإنسان على التخلص منه ، ولكن يمكن حصره في دائرة ما شرع الله وتوجيهه إلى ما هو أصلح وأسمى وأبقى .
ولا يتم ذلك إلا بمراقبة دائمة ويقظة من الضمير وخوف من الله .
(وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى) سورة النازعات الآيتان رقم 40 ، و41 .