الخميس 6 جمادى الآخرة 1447 27-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الخميس 6 جمادى الآخرة 1447 27-11-2025

جناية التقليد على أهله

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

من روائع الماضي
جناية التقليد على أهله
للأستاذ محمد صادق عرنوس

يقول الشيخ الشرقاوي العالم المشهور شارح ( التجريد الصريح ) في استدراكه على حديث أبي هريرة الذي نصه : ( صليتُ خلْفَ أبي القاسم صلى الله عليه وسلم العتمة فقرأ : ( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّت ) [ الانشقاق : 1] ، فسجد ، فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه ) .
( يدل – أي هذا الحديث – بظاهره للشافعية في أن الانشقاق سجدة ، ولا حجة فيه على مالك ، لأن قاعدة مذهبه تقديم عمل أهل المدينة كلهم أو جلّهم على الحديث الصحيح ، لأنه عاصر ألوفًا وشافه ما لا يحصى من علماء خير القرون ، وسَير أحوالهم ، ولا شك أنهم أدرى بأحوال الناسخ والمنسوخ ، فمع شدة حرصهم على اقتنائهم الآثار المحمدية لا يَعْدِلون عن العمل بحديثه مع علمهم به ، فما ذاك إلا لعلمهم نسخه وكثيرًا ما يروي مالك أحاديث ولا يأخذ بها ( كذا ) ، وربما قال : عمل أهل بلدنا على خلافها فانصف !! ) .
فانظر بربك إلى قيمة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الرجل حيث أشهر عليها سيفًا مصلتًا سماه : ( عمل أهل المدينة ) ، فما وافقهم منها عُمِلَ ، وما لم يوافقهم فلا يعمل به ، لأنه يكون منسوخًا ولا ريب ، لأنهم أدرى بالناسخ والمنسوخ من كل أحد !! فيا لضيعة دين أولئك علماؤه والمتحدثون باسمه والمتصدرون للفتيا في قضاياه ؟
إن أولئك المقلدين لا يتركون حديثًا مهما صح ، ولا نصًّا من كتاب الله إلا شمروا عن سواعد مفتولة ، ووضعوا الحبال في عنقه وأمسك كل منهم بحبل منها وجذبه بشدة إلى ناحيته ، فما تكون نتيجة هذا الجذب الشديد إلى نواح مضادَّة إلا أن يقع النص بين أيديهم جثة لا روح فيها !؟
ولا استثني من ذلك آية أو حديثًا سبق دليلاً على حكم من الأحكام ، وبين يديك كتب التفاسير وشروح السُّنة ، فالآية عند المفسرين – وجمهورهم مقلد – تتلون بلون المذهب الذي يدين به أحدهم : فهي تارة شافعية ، ومرة حنفية ، وطورًا مالكية ، وحينًا حنبلية ، فكأنها المعنية بقول الشاعر :
يومًا بحزوي ويومًا بالعقيق
وبالعذيب يومًا ويومًا بالخيصاء
وهي بينهم حيرى ، لأنها لا تحمل إلا معنى واحدًا إذ هي حق والحق لا يتعدد ، وربما فاتهم جميعًا ذلك المعنى الذي لا تتحمل سواه !
وكذلك فعل الشراح مع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم السليمة الرواية والدراية ، حيث ضبطوها بلون مذاهبهم ، فإن صُدِم المفسر أو شارح الحديث بعقبة لا يستطيع جرَّ النص معها إلى مذهبه قتله مكانه بسيف النسخ واستراح من معاكسته إياه !!
فهذا الشيخ المالكي لما رأى ظاهر الحديث يعطي الحق للشافعية في اعتبار أن في آية الانشقاق : ( وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لَا يَسْجُدُونَ ) [ الانشقاق : 21] سجدة ، قام يدافع عما ثبت في مذهبه من أنه لا سجدة فيها ، بدليل رأي مالك الذي كان يقدم عمل أهل المدينة على الحديث الصحيح – في هذه وغيرها – وأهل المدينة ما كانوا يرون فيها سجدة ! وما أعجب قوله : ( وكثيرًا ما يروي مالك أحاديث ولا يأخذ بها وربما قال عمل أهل بلدنا على خلافها ) ، وقد قرَّظ الشيخ قول مالك المزعوم بقوله ، ( فانصف ) ، ولو أنصف هو لقال بدل ( فانصف ) فاستراح وأراح !
ولعل القارئ الفِطن لم يغب عنه قصد الشيخ من التعبير بقوله : ( بظاهر الحديث ) ، لأن ما سيورده بعد من الأدلة التي ذكرها في عدم اعتبار الآية من آيات السجدة ستجعل حجة الشافعية هباء منثورًا ، إذْ أنها ستهدم ذلك الظاهر الهش بأقل لمسة ، فتجعل الحديث لا يصلح للاستعمال حتى من الظاهر عند الشيخ وإخوانه المالكية !! وهذا التعبير لا يَعْدُو أن يكون كما قال الله عز وجل في رده على من اتخذ من دونه آلهة ( أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ ) [ الرعد : 33] ، ولكن شتان ( 1 ) ما تعبيرين يزود أحدهما عن الحق والآخر ينتصر للباطل .
وإنما نقول لذلك الشيخ وأمثاله الذين أصبح موضوع تفكيرهم خرابًا : إننا لا نصدق أن مالكًا جامع ( الموطأ ) الذي يتلو ( صحيحي البخاري ومسلم ) في الوثوق والصحة تصدر عنه هذه المقالة الخاطئة التي ينقض بها ما جمعه في ( موطئه ) ؛ ولعله قد غاب عن أذهانكم الكلية لماذا جمعه ؟ إنه ما فعل ذلك أيها الناس – إن كنتم من بينهم – إلا ليحمل الناس على العمل به ، لأنه صح عن المشرع الأعظم الذي لا يكون الإنسان مسلمًا فضلاً عن أن يكون مؤمنًا – إلا باتباعه وتحري أقواله ، والوقوف عندها أخذًا وتركًا فكيف اقتحم في التشريع – الذي ائتمن الله رسوله عليه وحده ، عمل أهل المدينة حتى جعلتموه ثاني اثنين بعد كتاب الله ، وأهدرتم حديث رسول الله الذي جاء مبينًا لهذا الكتاب ومفصلاً لمجمله : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) [ النحل : 44] ، ومن أدرانا ؟ فلعلكم ترون ولا نعلم ، أن عمل أهل المدينة مقد

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا