رسالة من السودان
جاهل متعالم من السودان
بقلم: محمد عبد الله السمان
تسلمت – مؤخراً – رسالة من أخ مسلم من الخرطوم، وقد أرفق بها مقالاً في نصف صفحة منشوراً في جريدة ((الصحافة)) التي تصدر من الخرطوم، والمقال بعنوان ((في نقد مشروع أصول الأحكام القضائية)) أما كاتب المقال فهو – بكل أسف – دكتور بكلية القانون جامعة الخرطوم.. ومضمون المقال واضح من عنوانه.
ولأهمية رسالة الأخ المسلم، ننشر طرفاً منها، قال:
((لقد ظل شياطين الإنس ممن يطلقون على أنفسهم لقب الفكر الجمهوري)) بقيادة طاغوتهم ((محمود محمد طه)) يكتبون في الصحف السودانية، وينشرون الكتب بين طلاب الجامعات وطالباتها، وقد جمعوا حولهم عدداً كبيراً من الأعوان، وإزاء هذا كله، ظل العلماء في صمتهم وسباتهم، وسكتوا عن الحق، وراحوا يساندون البدع، ويحتفلون بالموالد.. إلا أن هناك رجالاً ظلوا بالمرصاد حرباً على فكر الجمهوريين الزائف.. إنهم جماعة أنصار السنة المحمدية الذين لا يخافون في الحق لومة لائم.. أرجو أن تقرأ المقال المرفق لتعرف مدى انحطاط كاتبها ومدى جهله بالقرآن والسنة، وهو يصف المجتمع الحالي بالتقدم، والقرآن بالتأخر، ونحن نقول لهذا وأمثاله: إن مسيرة الإسلام ماضية في طريقها، والإسلام أكبر منكم، ومن مجتمعكم الجاهلي الذي أصبح الشرف فيه أرخص سلعة تباع وتُشترى،والدليل على انحطاط مجتمعكم الجاهلي، هو ظهور أمثال هؤلاء الشياطين.. أمثالكم)).
أما مقال الكاتب الذي يبدو أنه أستاذ أو مدرس بكلية القانون بجامعة الخرطوم، فهو بالإضافة إلى ما فيه من جهل مركب، وغباء مستحكم، فيه جرأة على الإسلام، وتطاول على شريعته، وتحد لمشاعر الشعب السوداني المسلم الأصيل الذي ظل محتفظاً بأصالته بالرغم مما تسلل إليه من ماركسية وقحة، وعلمانية هابطة، وشعارات براقة زائفة، خدعت بعض السذج والبسطاء بمغرياتها ووعودها حيناً من الدهر والحق أن الكاتب كشف عن نفسه، فإذا كل حصيلته من العلم ألوان من المغالطة والمناورة وتجسيد المخاوف..
والمقام لا يتسع – بالطبع – للرد على كل ما فيه من هذر وهذيان وغثاء، لذلك يكفي أن نمر مروراً عابراً على بعض ما ورد في المقال من عبارات، والكاتب بادئ ذي بدء يعلن معارضته ورفضه لمشروع الأخذ في الأحكام من مصادر الشريعة الإسلامية، أي أنه يرفض أن تكون الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع، حتى مساواة بالقانون الوضعي أو العرف، فبعد أن أشار إلى أنه سيناقش مجلس الشعب مراجعة بعض القوانين السودانية لتتناسب مع الشريعة الإسلامية، اقترح الكاتب – قبل أن تتم مداولات مجلس الشعب حول هذا المشروع – يجري حوله حوار شعبي واسع لما لهذا المشروع من دلالة خطيرة، إذ يمثل تحولاً أساسياً في النظام الدستوري والقانونى في السودان. لأن الأمر – كما يقول – في غاية الخطورة لأنه يتعلق بالدستور وأساس الحكم السليم في بلادنا، ثم يقول (( وأرجو مخلصاً أن يبرز مؤيدو هذا المشروع إلى حلبة الحوار العلمي والموضوعي فيدافعوا عنه، ويقنعوا به، بدلاً من محاولة تقنينه على عجل، حتى يصبح أمراً واقعاً، ويتسلل بذلك إلى نظامنا الدستوري والقانوني عنصر جديد وخطير)).
إن مثل هذا الكاتب ليس مسكيناً وحده، بل أيضاً معه تلامذته الذين يتلقون دراسة القانون على يديه. وهذا الكاتب إما أنه يعيش بعقلية خاصة به بعيداً عن واقع السودان البلد المسلم برغم أنفه، وإما أنه مفلس علمياً، فأراد أن يسد هذا النقص بالتزام المبدأ المشهور ((خالف تعرف)) فالذي يجري الحوار بشأنه الشعارات المستوردة من الشرق أو الغرب، أو التشريعات الوضعية التي تمتد جذورها إلى عهود الإغريق والرومان والفرس، أما شريعة الله عز وجل فهي أسمى وأجل من أن تكون موضوعاً للحوار، بل ولا موضوعاً لمداولات مجلس الشعب: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)) [الأحزاب: 36].
ويقول الكاتب: (( وتقوم معارضتي لهذا المشروع وللاتجاه العام الذي يمثله على الاعتبارت التالية: أولا، أن المشروع يربط القانون السوداني بمصادر الفقه الإسلامي السلفي، وهي مصادر جامدة، لا يمكن أن تحل مشكلاتنا المعاصرة، وما ينبغي لها، وما تستطيع. ثانياً، ينبعث هذا المشروع من الاتجاه الشامل غير المتفحص لتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع صورها وأحكامها، وهو اتجاه يتعارض مع الدستور الإسلامي والفهم المعاصر والسليم للإسلام. ثالثاً، هذا الاتجاه يتعارض حتى مع الدستور الدائم لسنة 1973، وبذلك فهو يهدد وحدتنا الوطنية بغير موجب ولا تبرير..
ولا داعي لذكر بقية مبررات الكاتب لمعارضة المشروع، لأنها من التفاهة بحيث لا تستحق منا مجرد عرضها فضلاً عن مناقشتها، وسنكتفي بالرد على هذه المبررات الثلاثة التي سبقت الإشارة إليها