جامعة الأزهر… والفراغ
بقلم: محمد عبد الله السمان
في الحادي عشر من شهر المحرم الفائت، نشرت جريدة الجمهورية خبرًا تحت عنوان: “جامعة الأزهر تحتفل بالمولد النبوي الشريف”، وقد صرح بذلك الدكتور أحمد فتحي الزيات نائب رئيس الجامعة، وقال: إن الاحتفال سيقام في قاعة الإمام محمد عبده، وكأن الجامعة الأزهرية لم تكتف بإساءتها للإسلام، بمجاراتها مثل هذا الابتداع، فرأت أن تسيء أيضًا إلى الإمام محمد عبده، الذي كان حربًا بلا أدنى هوادة على البدع والابتداع في دين الله ما لم ينزل به سلطانًا.
وأعتقد أنه ليس لهذا العمل إلا معنى واحد، هو أن جامعة الأزهر تعيش في فراغ هائل، وازاء عجزها عن أن تشغل هذا الفراغ بما يفيد الإسلام منه، وينتفع المسلمون به، راحت تشغل فراغها ببدع تناهض عقيدة السلف، والتي هي عقيدة الإسلام الصحيح، الذي رضيه الله لعباده دينًا.
وإذا كانت جامعة الأزهر- كإدارة- وصلت إلى هذا الدرك من تحدي العقيدة، فهلا في أساتذتها عالم رشيد يصيح أو يصرخ في جامعة الأزهر: هذا عيب، بل هذا عار على جامعة الأزهر التي تزعم أنها مركز إشعاع للعلم والمعرفة، للعالم الإسلامي بأسره، وليس لمصر- دولة العلم والإيمان وحدها- أن تجهل أو تتجاهل أن الاحتفال بمولد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليس من الإسلام في شيء.
إن أول من ابتدع فكرة الموالد وأحدثها هم الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع الهجري، وعليهم وزر هذا الابتداع، ووزر من عمل به إلى يوم القيامة، لقد ابتدعوا ستة موالد: مولد النبي عليه السلام، وموالد علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، رضي الله عنهم، أما المولد السادس فهو مولد الخليفة الفاطمي المعاصر، ومسألة الاحتفال بمولد الخليفة المعاصر تؤكد لك أن فكرة الموالد فكرة جاهلية شيطانية، ليست من الإسلام في شيء؛ إذ ليس من المعقول ولا المقبول أن ينص كتاب اللَّه أو سنة رسوله الصحيحة على الاحتفال بمولد الخليفة الفاطمي، وقد شاء الله أن يوفق الأفضل بن أمير الجيوش إلى إبطال هذه البدعة، لكنها أحييت مرة أخرى سنة 524هـ على يد الخليفة الآمر بأحكام الله، وهو اسم على غير مسمى، وقد استمر العمل بهذه البدعة إلى يومنا هذا، وتوسع الناس فيها، وابتدعوا بكل ما تهواه أنفسهم، وتوحيه إليهم شياطين الجن والإنس.
إنه ليس عجيبًا أن تكون الدولة الفاطمية مصدر كل ابتداع حصل في دين الله، فهي دولة شيعية، والشيعة- وهم أول بلاء حل بالإسلام بعد الخوارج- وفرق كلمة المسلمين ومزق شملهم، هم أصل الابتداع، وهم البذرة الأولى للباطنية وملحقاتها من الصوفية وما إليها، أما لماذا اهتمت الدولة الفاطمية بهذه البدع، فإن مرد ذلك إلى أن الظلم- ظلم الرعية- كان مرافقًا لكل عهودها، وإشغال الرعية عن الظلم، سبيله نشر الخرافات والأساطير والابتداع في دين الله.
وقد يسأل متسائل: وأين كان علماء الدين من ابتداع الدولة الفاطمية؟
وللإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نعلم أن علماء الدين بعد عهود الخلافة الراشدة كانوا أحد رجلين: عالم يأخذ بالتقية ويجامل السلطان، وعالم مؤمن شجاع يجابه الباطل ويتعقبه أينما كان، إلا أن صوت الحق كثيرًا ما يختفي وسط ضوضاء الباطل وغوغاء العامة، ولكنه إلى أجل، والعلماء البواسل الذين فرضوا أنفسهم على التاريخ فرضًا، قليل ما هم، وهؤلاء هم الذين لم يؤثروا السلامة على موقف الحق، والدنيا أهون من أن يقيموا لها وزنًا، أو يحسبوا لزخارفها حسابًا، ليس هذا- فحسب- بل إنهم كانوا متهيئين دائمًا لأن يتحملوا الأذى في سبيل الله والحق، وأن يرحبوا بالابتلاء والامتحان مهما بلغت قسوتهما، والذين طالعوا سيرة هؤلاء عرفوا كيف كان الإمام أحمد بن حنبل، وبعض تلامذته يتحدون دولة لم تكن تغيب الشمس عن أملاكها، أعني بها الدولة العباسية، وكيف كان أمثال العز بن عبد السلام وابن تيمية يجابهون سلطات مصر والشام، ثم كيف اضطر أمثال الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى حمل السيف لتقويض أركان الباطل، بعد أن رفض هذا الباطل أن يستجيب للحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.
وبعد:
فإن ما فعله الأزهر من قبل، وما يزال يفعله حتى اليوم، من إعلانه عن الاحتفال بالمولد النبوي والتنفيذ، هو الفتنة بعينها فبدلاً من أن يعلن الأزهر بأعلى صوته: إن هذا منكر لا يرضي الله ولا يرضى الإسلام عنه، يأتي هو هذا المنكر ويتباهى به، وإذا كان للطرق الصوفية أن تعض بنواجذها على هذا المنكر، فهذا شأنها؛ لأن البدع والمنكرات مقومات حياتها، ولا يمكن حتى للعامة أن يحتجوا بالطرق الصوفية علينا، لكن الأزهر حين يقر منكرًا ويأتيه في تحد للإسلام، فهذه هي الفتنة ذاتها.
كانت السفارة البريطانية في مصر في عهد الحماية وأيام اللورد كرومر المخطط والمنفذ لكارثة دنشواي، تحتفل بالمولد النبوي، وتدعو شيخ مشايخ الطرق الصوفية رئيسًا شرفيًا للحفل، ولا غرابة في ذلك، فالاستعمار أينما وجد يشجع الجهل والخرافة، وإنما