تهويد القدس حتى متى منتهاه ؟
بقلم حسن الجنيدي
ـ 2 ـ
أوضحنا في عدد شعبان الماضي أن الكنعانين العرب استوطنوا فلسطين منذ ستة آلاف عام وأقاموا فيها المدن وتعاقب عليها الملوك والحكام العرب كما ذكرنا أن اليبوسيين ـ وهم بطن من بطون الكنعانيين العرب ـ هم الذين أسسوا أورشليم (القدس) وأن أصل هذه الكلمة هو أورسالم أي مدينة السلام .
وتطورت مدينة القدس وصارت من المدن الكبرى وحاول حكام مصر أن يبسطوا سلطانهم عليها باعتبارها القلعة الأمامية لحماية طرق التجارة بين مصر والشرق . وكان أهل القدس أهل استقرار وزراعة كما كانوا أصحاب حضارة موروثة هي حضارة الكنعانيين العرب . والفينيقيين وهم عرب أيضا .
ثم جاء العبرانيون الرعاة في آخر عهد اليبوسيين وهاجموا بعض نواحي فلسطين ولكنهم لم يستطيعوا دخول القدس لمدة زادت عن مائتي سنة بعد اجتيازهم نهر الأردن من الضفة الشرقية واحتلالهم أريحا حوالي عام 1260 ق . م . وكان العبرانيون الرعاة يبيعون لأهل القدس قطعانهم ويشترون منهم القماش والفخار وما هم في حاجة إليه من أدوات .
ثم كتب الله لهم دخول القدس علي يد داود الذي أسس هو وابنه سليمان عليهما السلام دولة للإسلام قبل مولد المسيح بحولي ألف عام أي منذ ثلاثة آلاف عام تقريبا من وقتنا هذا بدخول داود عليه السلام القدس حوالي عام ألف قبل الميلاد .
ومن المعلوم أن داود وسليمان عليهما السلام جاءا بعد موسى عليه السلام وهذا واضح في الربع الأخير من الجزء الثاني من سورة البقرة في قوله عز وجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . . . )[246 البقرة] إلي قوله تبارك وتعالى : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ . . ) 251 البقرة .
وقد سبق البيان في العدد الماضي أن هذه المملكة التي أسسها داود وابنه سليمان عليهما السلام والتي لم تدم إلا سبعين عاما كانت دولة إسلامية ملوكها من أنبياء الله وأنها كانت دولة أسست علي الصلاح والتقوى ومختلفة كل الاختلاف عن دولة الفساد في الأرض (إسرائيل) التي ملأت ربوع فلسطين بالمومسات يعترضن طريق السياح ويبتززن أموالهم والتي فاقت دول العالم أجمع في انهيار عملتها (الليرة الإسرائيلية) نتيجة للتضخم الناجم عن التعامل بالربا . دولة ينخر السوس في عظامها (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)[14 الحشر] ويعترف أهلها أن العصابات المنظمة بها أقوى من حكومة بني إسرائيل لأن هذه العصابات سلاحها المرأة والمال فهي نموذج حقيقي لدولة الفساد في الأرض .
نخرج من ذلك ببطلان ما تدعيه إسرائيل اليوم من حق تاريخي في أرض فلسطين . وأساس هذا البطلان :
1 ـ أن فلسطين هي أرض الكنعانيين العرب الذين أسسوا مدنها وعمروا أرضها وشيدوا قدسها .
2 ـ دولة الأنبياء هي حقبة قصيرة من الزمن وهي دولة إسلامية في المقام الأول .
3 ـ المسلمون هم الورثة الشرعيون لدولة داود وسليمان عليهما السلام . والمفسدون في الأرض عاقبة أمرهم خسرا وإن مدهم الرحمن في غيهم يعمهون .
يهوذا والسامرة :
بعد موت سليمان عليه السلام دب التفسخ والانهيار في المملكة التي أقيمت في القدس حيث أقام سليمان عليه السلام معبده علي أحد مرتفعاتها . ثم انقسمت المملكة إلي قسمين :
الأول ـ في الشمال وسمي (مملكة إسرائيل) وعاصمته السامرة بجوار نابلس . وقد استمرت هذه المملكة من عام 927 ق . م حتى 722 ق . م حيث استولى عليها الآشوريين بقيادة الملك سرجون الثاني الذي أنهى حكم اليهود في السامرة وسبي فريقا من أهلها إلي آشور .
الثاني ـ عاصمته القدس وسمي (مملكة يهوذا) . وبقيت هذه المملكة من عام 923 ق . م حتى عام 586 ق . م أي أنها دامت حوالي ثلاثمائة سنة ثم اندثرت بعد أن هاجمها نبوخذنصر وخرب معالم المدينة وسبي زعماءها . وأصبحت القدس بعد ذلك تابعة للكلدانيين الذين كانوا قد ورثوا مملكة آشور فيما بين النهرين .
وبانهيار هاتين المملكتين لم يعد للعبرانيين ذكر في أرض فلسطين والقدس . وعندما سمح لهم (قورش) من ملوك الفرس بالعودة إلي القدس لم يكن لهم شأن سياسي في البلاد إذ رجعوا إليها تحت حكم الغزاة من اليونان ثم الرومان .
لهذا فإن إصرار بعض حكام إسرائيل في زماننا علي تسمية الضفة الغربية للأردن بالسامرة ويهوذا إنما هو تجديد للإدعاء الباطل المسمي بالحق التاريخي في أرض يسكنها العرب ولا يزالون منذ ستة آلاف عام (أربعة آلاف منها قبل مولد المسيح وألفين بعد مولده) .
وواجب علينا معشر المسلمين عدم مسايرتهم في هذه التسمية الخاطئة حتى يأذن الله بعودة الأرض لأصحابها الأصليين وورثتها الشرعيين . (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِ