تعلموا دينكم
بقلم الأستاذ الدكتور/ أمين رضا
وكيل كلية طب الأسكندرية لشئون البحث العلمي والدراسات العليا
تجد أكثر الناس يهتمون في تعلمهم قراءة وكتابة ومشاهدة ما ينفعهم في الدنيا فحسب. يتعلمونه ويتقنونه ليس فقط ليكون لهم سلاحاً في الحياة، بل يتعلمونه لأكثر من ذلك: ليكونوا في بحبوحة من العيش ويزيدوا من دخلهم، وليؤمنوا لأنفسهم رغد العيش وهناءة الحال.
وهذا من الأمور المباحة ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ )) [الأعراف: 32]
غير أن هذا العلم الدنيوي له نتائج دنيوية. وكل هذه النتائج لن يأخذها الإنسان معه، بل سيتركها عند موته، ويقف وحده يحاسبه الله ويسأله عن دينه ودنياه، ويزن أعماله الحسن منها والسيئ. وبعد ذلك فالحياة إلى الأبد إما في الجنة وإما في النار.
تعلموا علوم الدنيا. وعيشوا في رفاهية. ولكن ماذا أعددتم لليوم الآخر؟ ماذا أعددتم لدخول الجنة؟ أليس هذا هدفاً من أهدافكم؟
إن الملاحظ أن كثيراً من الناس – وإن قرأوا وكتبوا وتثقفوا ثقافة عالية – يغرقون في أمية عميقة فيما يتعلق بأمور الدين.
أليس هذا الدين علماً؟ أليس هذا العلم هو الذي يدخلنا الجنة؟ أندخل الجنة ونحن نجهل ما يدخلنا فيها؟ أينجح الطالب وهو يجهل العلم الذي يمتحن فيه؟
إننا جميعاً نحتاج إلى تعلم ديننا.
ولكل علم مراجع يجب دراستها واستذكارها. وقد أعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه المراجع فيما يختص بديننا هي كتاب الله جل جلاله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
عيب كبير أن نعيش في هذه الحياة من غير أن نقرأ قرآننا وندرسه، وهو الكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى لهدايتنا وتثقيفنا دينياً.
عيبٌ كبيرٌ أن نعيش في هذه الحياة من غير أن نقرأ قرآننا وندرسه، رسولنا الذي أرسله الله لهداية الناس، وليكون لهم أسوة حسنة.
هذا العيب يعيب المتعلمين والمثقفين أكثر من الأميين. وما أكثر المثقفين في أيامنا هذه، ولكنهم هم والأميون سواء.
اقرأوا القرآن لدراسته وللعمل به. لا تفعلوا كما يفعل الكثير اليوم، يقرأونه في مناسبات الموت، حتى أصبح من يقرأ القرآن لا يقرؤه لوجه الله، بل يشتري به ثمناً قليلا.
كما أنهم يعلقونه في تمائم وأحجبة في العنق وتحت الإبط، وفي السيارات والمركبات والطائرات وعلى المكاتب، وفي كل مكان، ظناً منهم أنه يمنع الحوادث، وليس عندهم دليل ديني ولا علمي على ذلك. والغريب أنهم لا يفرقون بين ما يعلقونه بجانب المصحف من أشياء مختلفة – مسبحة وكف وخمسة وخميسة وخرز أزرق وغير ذلك من الأشياء العجيبة التي لم يثبت دينياً ولا علمياً أنها تضر أو تنفع. بل إن جميع التجارب اليومية أثبتت عدم جدواها، بالإضافة إلى أن تعليقها يعد نوعاً من الشرك بالله.
وليس العجيب أن تعلق كل هذه الأشياء بجانب المصحف، ولكن العجيب أنهم كثيراً ما يعلقون بجانبه حذاء بالياً، ويعتقدون أن مفعول الحذاء يساوي مفعول المصحف في منع الحوادث أو يقوي مفعوله.
أيساوي الحذاء المصحف؟ مهلاً يا قوم ((مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ*أَفَلَا تَذَكَّرُونَ))[الصافات: (154-155)].
ومنهم من يتفنن في كتابة الآيات القرآنية على أشكال مختلفة ويسمونها (لوحات قرآنية) فمنها ما هو على شكل مسجد أو قبة أو غير ذلك، مما لا يقصد به إلا عمل صورة تعلق على الجدران يصعب على القارئ قراءتها، لأنها حولت الكتاب الذي يهدي إلى صراط مستقيم على طلاسم وألغاز.
إن جميع الكتب الأخرى يحترمها الناس أكثر من ذلك. يحترمونها لأنهم يستعملونها فيما كتبت له لا لأغراض أخرى.
تصوروا طالباً يدخل الامتحان، وبدلاً من أن يدرس كتابه يصنع ما تصنعون بقرآنكم: يعلق الكتاب في رقبته في شكل حجاب، أو في سيارته، أو يصنع به لوحات ويذهب به بهذا الشكل إلى لجنة الامتحان. هل هذا الطالب يمكنه أن يرجو نجاحاً؟ هل يمكنه أن يأمل في أن يجيب على سؤال واحد من أسئلة الامتحانات؟
وأنتم الذين صنعتم هذا بمصاحفكم، هل تأملون في النجاح في امتحان يوم الحساب؟ واسألوا أنفسكم: هل سيدخل الجنة جاهل بدينه؟
وتذكروا قول الله تعالى: ((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا))[الكهف: (103-104)].صدق الله العظيم.
أمين رضا