تراثنا الاقتصادي الإسلامي
إعداد د/ زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
الاقتصاد قوة الدول والشعوب، ولا سيما في هذا العصر الذي أضحت فيه بعض الأمم رهينة المادة، بل تعتبرها الحد الفاصل بين التقدم والتخلف، فلا ترى صلاحاً ولا فساداً إلا فيها، ولا ترى سبيلاً لنهضتها ومناعتها إلا بها.
ومن هنا، احتلت الدراسات الاقتصادية مركز الصدارة، وشغلت اهتمام رجال السياسة والمال، وعلماء الاجتماع والاقتصاد.
والإسلام في مجال المعاملات الاقتصادية حافل بالوصايا والتوجيهات الأخلاقية التي ترشد إلى أسباب السلامة والاستقامة.. ولا نستطيع استقراء توجيهاته في كل قطاع، ولكن الجدير بالاعتبار، أن دراسة هذه النصوص تمكن الدارس والباحث من معرفة الإسلام في مجال المعاملات، وما يمتاز به من ربطها بحسن النية وسمو الوجهة ونبل الهدف، لتحقيق ازدهار الأمة وتقدمها.
وفي بيان تعاليم الإسلام الاقتصادية ينبغي أن ندرك من البداية، أن الإسلام لم يأت بها منعزلة عن غيرها من التعاليم، بل كان دائماً يربط بينها وبين تعاليم خلقية عقائدية تستقر في وجدان المسلم وتجعله يذعن لها إذعاناً منبعثاً من ضميره عن طواعية واختيار.
إن كلمة ((اقتصاد)) تحوي عدة معان في كتاب الله عز وجل، فهي تأخذ معنى التوازن، ومعنى الاعتدال، ومعنى التوسط في الأمور، أي الاختيار الأمثل بين البدائل.
فالعدل بين الناس وتوزيع الحقوق والتزام القول الحق، كل تلك الأمور هي من سبيل التوازن بين الأشياء والاعتدال والاقتصاد في الأشياء. يقول سبحانه: ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ) [الأنعام: 152]. ويقول عز وجل: ( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ) [الأنعام: 152]، ويقول تعالى: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) [لقمان: 19]، ويقول سبحانه: ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) [الأعراف: 31]، ويقول عز وجل: ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)) [الفرقان:67]، ويقول تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) [الإسراء:29]، ويقول عز وجل: ( وَابْتَغِ فِيمَا ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) [القصص: 77].
إن الاقتصاد إذا أفرغ من معاني الاعتدال والعدل والقسط والتوسط في الأمور يصبح استغلالً مادياً للإنسان أو للسلع التي يتعامل معها. إذ العدل هو الركيزة الأساسية للاقتصاد، لأن الاقتصاد يعني اختيار البدائل المثالية.
وللأسف، فإن من أبرزأخطائنا المنهجية في البحث والدراسة والتفكير، أن نحاول وضع نظام اقتصادي لأنفسنا من خلال الأسس الاقتصادية المعاصرة.
وقد نسمح لأنفسنا بإدخال تعديلات طفيفة على تلك الأسس أو ترقيعها، رغم معرفتنا بأن تلك الأسس نشأت في ظل ظروف اجتماعية ونفسية واقتصادية خاصة ومغايرة لظروف مجتمعاتنا.
ومن ثم، ينبغي أن نأخذ في الاعتبار أن كل نظام من النظم القائمة هو جزء من المجتمع الذي نشأ فيه، وأن النظام الاقتصادي الذي يثبت جدارته وبخاصة في مجتمع من المجتمعات قد لا ينجح في مجتمع آخر، لاختلاف ظروف المجتمع الثاني عن المجتمع الأول.
وعليه، فإن من واجب علماء الاقتصاد في بلادنا أن يتخلوا عن عقدة آدم سميث وكارل ماركس، وأن يبتعدوا عن الأسس التي قامت عليها النظم الفردية أو الجماعية، بحيث يستقل مجتمعنا بنظام اقتصادي إسلامي، رباني المنهج والهدف، أخلاقي الخصائص والصفات، نموذجي الواقع والتطبيق، مثالي الأهداف والغايات، أي نظام اقتصادي فريد.
إذ من الخطأ أن نعتقد أن النظم الاقتصادية القائمة فردية كانت أم جماعية هي القدر الذي يجب علينا أن نختاره، ومن ثم، فعلينا أن نقلب أبصارنا لنختار إحدى التجربتين.
وللأسف، فعندما فعلنا ذلك حالفنا الفشل الذريع.
إننا أمة لها كيانها وشخصيتها المتميزة، ونحن مجتمع له معتقداته وظروفه وتقاليده الخاصة.
إن من الخطأ أن يحاول بعض الاقتصاديين ممن تأثر بالعقلية الأجنبية أن يقرب اقتصادنا الإسلامي لأحد النظامين الاقتصاديين العالميين الرأسمالي أو الاشتراكي، على أساس أن في اقتصادنا الإسلامي ما يقر الملكية ويبيح الغنى ويمنح الحرية، فهو رأسمالي الوجهة، كما أن في اقتصادنا الإسلامي ما يدعو إلى توزيع الثروات وعدم حصرها بأيدي الأغنياء والمصلحة الجماعية معتبرة فيه، فهو إشتراكي الوجهة.
ونسوا أو تناسوا أن الملكية مقيدة، والغنى المحمود مشروط، والحرية منضبطة، والتوزيع للثروات والدخول عادل، وليس كما هو الأمر في تلك النظم الاقتصادية.
ومن هنا، فإنني أطالب بإلحاح أن يكون لنا نظام اقتصادي إسلامي متميز في مصادره وفي أ