تحديد النسل مؤامرة على المسلمين
بقلم
محمد جمعة العدوي
الحجة التي يتذرع بها دعاة تحديد النسل أو تنظيمه هي الخوف من الانفجار السكاني الذي يهدد العالم كله بأزمة اقتصادية وبخاصة في الدول النامية. ولا علاج لهذا في نظرهم إلا بتنظيم النسل.. والإسلام يعتبر هذه النظرة خاطئة.. لأنها تقول إن الإنسان مرتبط بمكان محدد في حياته لا يتعداه وهو ما يسمى بالوطن. وذلك يفرض عليه ألا ينتقل من مكان إلى آخر إلا في ظل لوائح وقوانين تحد من نشاطه.. أما الإسلام فإنه ينظر إلى أرض الله على أنها مسخرة للإنسان. وإذا فقد الرزق في مكان فلا بد أن يسعى إليه في مكان آخر، وإلا كان ظالماً لنفسه. وقد ذم الله قوماً ظلموا أنفسهم فاستضعفوا وذُلوا بارتضائهم تحديد إقامتهم فقال عنهم: ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسعة فَتُهَاجِرُوا فِيهَا؟)) [النساء: 97].. وفي نفس الوقت رغب في الهجرة والانطلاق فقال: ((وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)) [النساء: 100]. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.. وقد بين الله أنه جعلنا شعوباً وقبائل لا ليستأثر أي شعب أو قبيلة بالخير الذي لديها، ولكن كما تنص الآية ((وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) [الحجرات: 13].فهذا التعارف يخلق التعاون وتبادل المنافع والمصالح التي تؤدي إلى وجود روابط اقتصادية واجتماعية.
والإسلام يعلن واقعاً لا يمكن أن ينكره أحد،وهو أن الموارد البشرية الكامنة في الأرض والموجودة فوقها تكفي وستكفي إلى نهاية الحياة على أرضنا، ليس الإنسان فقط،ولكن كل ما يدب على الأرض وذلك ثابت في قول الله تعالى: ((قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ*وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ(10)[فصلت: (10-11)] فالأقوات مقدرة منذ الأزل، وقد بارك الله فيها.. وليست هناك مشكلة في الحصول عليها ((فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ))[الملك: 15] ((فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)) [الجمعة: 10].
المشكلة الحقيقية إذن ليست في الحصول على القوت. إنما المشكلة هي أننا نخالف السنن الكونية في انتفاعنا بمواردنا. فنحن ما زلنا ننمي مواردنا بواسطة الربا، سواء على المستوى الدولي أو الفردي. والنتيجة أن هناك دولاً تزداد غنى بما تقرضنا إياه بفوائد ضخمة، بينما نحن نزداد فقراً نتيجة تراكم الديون والربح المضاعف، وكذلك الأمر على مستوى الأفراد.
والزكاة من أكبر العوامل التي تحل مشكلة القوت. فهناك شركات ومؤسسات وعقارات و… إلخ مملوكة للأفراد، ومع ذلك فإن هذه الزكاة غير واردة مطلقاً في برنامج أية دولة إسلامية، إنما يترك الأمر للوازع الديني عند الأفراد الذي يوشك أن يكون قد مات.
كذلك فإن هناك أموالاً مكتنزة. وهذه الأموال مودعة وموظفة في نفس الوقت لصالح أعداء الله في بنوك أجنبية، والمفروض في هذه الأموال أن تُستغل داخل الأمة الإسلامية بما يوفر لها القوت، وبما يضمن الكسب المشروع لأصحاب هذه الأموال.
وهناك ظاهرة ملفتة للنظر بالنسبة للأموال التي يستثمرها أبناء الإسلام في بلاد الإسلام، وهي أنهم لا يهمهم الطريقة التي يستثمرون بها أموالهم، سواء كانت ترضي الله أو لا ترضيه. إنما المهم عندهم هو الكسب فقط. وهؤلاء يستثمرون أموالهم في شركات السياحة والسينما والمسرح والملاهي والفنادق. ولا يمكن أن يخطر على بال هؤلاء أمر الأمة الإسلامية وما تحتاجه من موارد ضرورية وملحة. وفوق ذلك فإن هذه الاستثمارات تساعد على تدمير المسلمين مادياً وخلقياً.
والعلاج الوحيد أن نعدل من خططنا الاقتصادية بما يتفق وشرع الله ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى))[طه: 123].. وشرع الله يقول: ((وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ))[المؤمنون: 52] فالإسلام يعتبر بلاد الإسلام أمة واحدة يكمل بعضها بعضاً. فربما يكون في موضع من بلاد المسلمين من الموارد ما ليس في موضع آخر. والذي يضمن عدم استئثار إقليم بما يملك هو وحدة الأمة الإسلامية.
ولا بد أن ينظر المالكون لموارد الأمة الإسلامية إلى أنهم مستخلفون في تلك الموارد، وأن عليهم أن يؤدوا حق الله فيما استخلفوا عليه مصداقاً لقول الله ((وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ))[الحديد: 7].
بقى أن نقول :