تحت راية التوحيد
لفضيلة الشيخ عبد اللطيف محمد بدر
هناك فريق من الناس يقرون بوجود اللَّه تعالى، ويعترفون بأنه رب العالمين، لأنه هو الذي خلقهم ورزقهم، وهو الذي أحياهم ويميتهم، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه. ولكنهم مع ذلك لا يقرون بتفرده بالألوهية واختصاصه سبحانه بالعبودية، فيشركون معه فيهما غيره، وهؤلاء جعلهم اللَّه والمنكرين لوجوده سواء. ولقد جادلهم القرآن الكريم في ذلك كثيرًا، وأخذهم باعترافاتهم وأقام عليهم الحجة من أقوالهم، والاعتراف سيد الأدلة كما يقولون.
قال اللَّه تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: 87].
وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9].
وقال سبحانه: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأرض أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وإلاَّبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأمرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ . فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 31، 32].
وقال جل شأنه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 63].
وقال تبارك وتعالى: {قُل لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ . قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ . بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍوَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ . عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 84: 92].
وهذا فرعون الذي ادعى أنه رب للمصريين، لم ينكر أن اللَّه رب السماوات والأرض، كما قال تعالى حكاية عن قول موسى عليه السلام وهو يخاطبه: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض بَصَآئِرَ وَإِنِّي لاَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا} [الإسراء: 102].
بل هذا إبليس نفسه لعنه اللَّه يقر بربوبية اللَّه لجميع العالمين كما قال اللَّه عنه: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ . فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ} [الحشر: 16، 17].
وهكذا يقر المشركون عامتهم وخاصتهم وعلى رأسهم الشيطان الرجيم بأن اللَّه هو ربهم ورب كل شيء ورازقهم ورازق كل دابة في الأرض. ولكنهم لما لم يعترفوا لله جل شأنه بالوحدانية في الألوهية وفي العبودية، واتخذوا من دونه أندادًا يحبونهم كحب اللَّه، وجعلوهم بينهم وبين اللَّه وسطاء يقربونهم منه بزعمهم كما حكى اللَّه تعالى عنهم: {أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3].
أقول: لما لم يعترفوا بالألوهية الخالصة لله، ولما لم يخصوه وحده بالعبادة، ما نفعهم إيمانهم بوجوده سبحانه وبأنه رب العالمين {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].
وعن معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه قال: ( كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: ” يا معاذ أتدري ما حق اللَّه على العباد وما حق العباد على اللَّه” فقلت: اللَّه ورسوله أعلم قال: ” حق اللَّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على اللَّه أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا” قلت: يا رسول اللَّه أفلا أبشر الناس؟ قال: ” لا تبشرهم فيتكلوا” ) رواه الشيخان.
فاللَّه تعالى له الحق كل الحق على عباده أن يعبدوه وحده، وأن يخصوه بكل أن