تحت راية التوحيد
لفضيلة الشيخ عبد اللطيف محمد بدر
– 3-
لا يستطيع أحد كائنًا من كان أن يدعي أنه الخالق لنفسه أو لغيره، لأنه لا يتسنى للعدم أن يوجد نفسه فضلاً عن أن يوجد غيره، وقد تحدى اللَّه المشركين بأن الذين يعبدونهم من دون اللَّه لا يستطيعون أن يخلقوا ذبابًا وهو من أضعف المخلوقات وأحقرها، بل لن يستطيعوا أن يستنقذوا منه ما سلبهم إياه، كيف بهم هم؟ والإنسان إنما يعبد من يعتقد فيه القدرة والاستطاعة على أن ينفعه بشيء يعجز هو عنه، أو يدفع عنه ضررًا لا يستطيع هو دفعه عن نفسه، وإلا ما كان إلهًا يستحق العبادة.
يقول اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ . مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 37، 74]. ولا يزال هذا المثل مضروبًا للناس إلى يوم الدين.
كما لم يعرفنا أحد بغير اللَّه خالقًا، ولو كان لأعلن عن نفسه، وعرف بذاته مخلوقاته، يقول اللَّه جل شأنه: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ . هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [لقمان: 10، 11].
وقال سبحانه: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16].
وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4].
وهكذا يتحدى اللَّه في كثير من آياته أن يكون هناك خالق غيره أو شريك في ملكه.
سيقول بعض المكابرين والذين في قلوبهم مرض الإلحاد إن الخلق وجد هكذا صدفة بدون تفكير أو تدبير، وكيف؟ وكل ما في الكون يسير وفق سنن ثابتة وتدبير محكم- يدل على أن الذي أوجده عالم حكيم- وقد هدي إلى ذلك العلماء والباحثون.
وقد استبعد المنصفون منهم أن يكون هذا الخلق المحكم والكون المنظم وجد صدفة، فهذا ما لا يتصوره العقل ولا يقره العلم ولا يقول به إلا من فقد الإدراك والتمييز.
قال اللَّه تعالى: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ . وَالأرضِ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ . وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ . وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ . رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 6-11].
وقال جل شأنه: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرضِ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ . وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ . وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ . لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 36- 40].
وقد أخبر اللَّه سبحانه أن كل شيء خلق بقدر وفق سنة محكمة لا تخرق إلا لمعجزة يؤيد بها رسولاً من رسله عليهم الصلاة والسلام، قال اللَّه تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 62]،وقال سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]،وقال جل شأنه: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21] والآيات في ذلك كثيرة.
وليعتبر الإنسان العاقل بنفسه قال تعالى: {وَفِي أَنفُسِكُ