تحت راية التوحيد
بقلم: فضيلة الشيخ: عبد اللطيف محمد بدر
-28-
الخصيصة الرابعة من خصائص العقيدة الإسلامية أنها عقيدة متوازنة تجمع بين التصديق بالأمور الغيبية المجهولة التي يجب أن يتلقاها المسلم بالتسليم والقبول لأنها فوق مداركه المحدودة، وبين الأمور التي يتلقاها بحججها وبراهينها، ويحاول معرفة عللها وغاياتها ويفكر في مقتضياتها، وتطبيقها في حياته الواقعية.
*والفطرة البشرية تشعر بوجود المجهول والمعلوم لها في هذا الكون،و لابد لها من عقيدة تجمع بينهما تستريح إليها وتطمئن بها. ((وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) [التغابن:11]. والله تعالى يقول: ((الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) [الرعد:28]./
*فمن الغيب المجهول الذي لاسبيل لنا إلى الإحاطة به، ماهية الذات الإلهية وكيفية تعلق إرادة الله سبحانه بالخلق ونحو ذلك مما تدركه عقولنا ولا تحيط به أفهامنا، ولا يسعنا معه إلا أن نقول بقول الله عز وجل: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))[الشورى:11].
*ومن هذا الغيب المجهول (اليوم الآخر) وما فيه من بعث وحشر وحساب وجزاء وجنة ونار إلى غير ذلك مما تضمنه القرآن الكريم والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. يؤمن به المسلم على أنه حقيقة واقعة ولكن لا يدري كيف يكون.
*ومن الأمور التي يتلقاها المسلم بحججها النقلية وبراهينها الكونية مع محاولة التعرف على غاياتها ومقتضياتها في الوجود خصائص الذات الإلهية من حياةووحدانية وإرادة وقدرة وخلق وتدبير.. إلخ فقد قامت الأدلة النقلية من الكتاب والسنة على ثبوتها لله، كما قامت البراهين الكونية على وجوب اتصاف الله بها لوضوح آثارها في الحياة الممدودة وفي الكون المتطور على اتساع آفاقه وتباين مكوناته يقول الله تعالى((اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ*وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ*فَانْظُرْ إِلَى ءَاثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [الروم 48-50].
ويقول الله تعالى: ((وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ*إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) [البقرة: 163-164].
ويقول الله تعالى: ((أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى*أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى*ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى*فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى*أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى)) [القيامة: 36-40]، بلى قادر.
ويقول جل شأنه: ((وَءَايَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ*وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ*لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ*سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ… إلخ)) الآيات 33 وما بعدها من سورة يس.
والآيات في هذا المعنى كثيرة تدعو إلى التدبر فيها والنظر في ما ترشد إليه نظر تفكر واعتبار. ((أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ)) [الأعراف:185].
((أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ*وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ*وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ*وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ*فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ)) [الغاشية: 17-21]. ((قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)) [يونس:101].
• والفطرة البشرية تؤمن بأن للذات الإلهية مشيئة طليقة لا حدود لها ولا قيود عليها، ضرورة أن الإله الحق لا بد أن يكون فعالا ً لما يريد، فهو