تحت راية التوحيد
بقلم: فضيلة الشيخ عبد اللطيف محمد بدر
-26-
ذكرت في المقال السابق أن العقيدة الإسلامية أعطتنا الاعتقاد الصحيح عن الله رب العالمين بعد أن انحرف عن هذا الاعتقاد الصحيح أتباع الرسل السابقين فخرجوا عن التوحيد إلى الشرك ووصفوا الله سبحانه بما لا يليق به.
حتى جاءت العقيدة الإسلامية فقررت وحدانيته سبحانه وتفرده بخصائص الألوهية من توحده جل شأنه في الذات وفي الصفات وتنزهه عن الصاحبة والوالد والولد، وخلقه وملكه وحفظه لكل شيء، ورزقه لكل مخلوقاته وجلبه للنفع ودفعه للضر ولا يستطيع ذلك غيره.
ومن هذه الخصائص الإلهية:
أن الله سبحانه هو وحده المعز المذل القاهر فوق عباده يرفع ويخفض ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه وهو على كل شيء قدير. قال تعالى: ((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ*تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ))[ 26،27 – آل عمران] – ((َوهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)) [الأنعام:18].
وهو سبحانه نفوس العباد بيده يتوفاها حين انتهاء أجلها ثم يبعثها بعد موتها ليوفيها جزاءها ((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)) [الأعراف: 34] (((وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ*ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)) [الأنعام: 60-62].
وهو سبحانه المشرع لعباده والحاكم بينهم والمنظم لحياتهم الذي يتلقون منه وحده شريعتهم ونظام حكمهم ومنهاج حياتهم كما قال تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: ((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ..) [المائدة: 48] وقال تعالى: ((ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية: 18] ثم حذره الله تعالى من أن يفرط في شيء مما أنزل عليه فقال له: ((وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ*أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))[المائدة: (49-50)].
وقد بين الله سبحانه وتعالى على لسان يوسف عليه السلام وهو يدعو صاحبيه في السجن إلى عبادة الله وحده أن الحكم بما أنزل الله هو من أسس توحيده وإفراده جل شأنه بالعبادة فقال تعالى: ((يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ*مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ))[يوسف: (39-40)] وتدبر قوله تعالى: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)) لترى الصلة الوثيقة بين عبادة الله وحده وإسناد الحكم لله واختصاصه به سبحانه. فالناس لا يكونون موحدين حقاً إلا إذا أفردوا الله سبحانه وتعالى بالعبادة وخصوه وحده بالحكم بينهم لا يحتكمون إلى سواه ولا يرضون بشريعته بديلاً.
والذين يزعمون أنهم موحدون ثم لا يرضون بحكم الله فقد وصمهم الله عز وجل بالنفاق في قوله جل شأنه: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ