تحت راية التوحيد
لفضيلة الشيخ عبد اللطيف محمد بدر
– 17-
قلت في مقال سابق: إن المقام- أي مقامنا بالنسبة إلى ربنا جل وعلا- مقام العبودية الخالصة التي يجب ألا تشوبها شائبة، والتي يجب أن نأخذ أنفسنا بها ونوجه غيرنا إليها.
وذلك حتى يسلم مجتمعنا من كل ما من شأنه أن ينال من توحيدنا الخالص لله وعبادتنا المجردة له، من قريب أو من بعيد. فقد قال اللَّه تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} 5- البينة، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 162 لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} 162- 163- الأنعام.
وروى مسلم عن جابر رضي اللَّهُ عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ( من لقى اللَّه لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ).
وقد حذر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمته من الشرك لأنه يدخل إلى القلوب في خفاء شديد. روى أبو يعلى وابن المنذر عن حذيفة بن اليمان عن أبي بكر رضي اللَّهُ عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الشرك أخفى من دبيب النمل. قال أبو بكر يا رسول اللَّه وهل الشرك إلا ما عبد من دون اللَّه أو ما دعي مع اللَّه؟ قال: ثكلتك أمك، الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل.. ).
فالمجتمع المسلم الموحد هوالذي يبتغي بعمله وعبادته وجه اللَّه طمعًا في ثوابه، وخوفًا من عقابه، ورغبة في مرضاته {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} 110- الكهف.
والمجتمع المسلم لا يتعلق إلا باللَّه، ولا يثق إلا فيه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يستعين إلا به {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} 11- إبراهيم، {ومَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 3- الطلاق- {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} 36- الزمر، {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} 38- الزمر. والآيات في هذا المعنى كثيرة، وجماع ذلك كله قول اللَّه تعالى الذي نردده في كل يوم مرات عديدة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 5- الفاتحة.
والمجتمع المسلم يؤمن بأن حق التشريع للعباد إنما هو لله وحده، لأن ذلك من خصائص الألوهية، ولا يملك هذا الحق أحد غيره. قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} 13- الشورى.
وقد قال اللَّه تعالى لنبيه الكريم صلوات اللَّه وسلامه عليه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} 18- الجاثية.
فرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جعل على شريعة وأمر باتباعها وترك ما عداها، وكذلك كل الرسل من قبله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} 48- المائدة.
فمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم هي تبليغ الناس ما نزل إليهم من ربهم وتبيينه لهم {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} 42- الأنفال.
قال اللَّه تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} 67- المائدة، وقال اللَّه تعالى له: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 44- النحل.
وقد حكم اللَّه بالشرك على من لم يجعل حق التشريع لله وحده. قال اللَّه تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 21- الشورى.
كما وصم اللَّه بالشرك أيضا قومًا جعلوا حق التحليل والتحريم لغيره سبحانه قال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 31- التوبة.
روى الإمام أحمد والترمذي أن عدي بن حاتم قال حين سمع هذه الآية- وكان قد تنصر في الجاهلية- إنهم لم يعبدوهم. فقال- صلى الله عليه وسلم- إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم.
كما وصف اللَّه بالنفاق من ولى وجهه عن ش