بل نقذف بالحق على الباطل

بل نقذف بالحق على الباطل
بقلم بدوى محمد خير طه

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد
فإن الله تبارك وتعالى أراد بحكمته أن تكون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم مسك الختام لرسالات السماء وتكفل بحفظها (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[9 الحجر] وجعل مرد الأمر في أي تنازع إلى القرآن الذي هو كلام الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)[59 النساء] ولم يلحق رسولنا صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى إلا بعد أن أكمل الله على يديه الدين وأتم النعمة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[3 المائدة] ولم يبق على المسلمين إلا أن يعضوا بنواجذهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم ويعملوا بما فيهما ليصلوا إلى بر الأمان [لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي]
ومن هذا المنطلق أستعين بالله لأكتب هذه السطور مؤديا أمانة الكلمة لأعذر إلى ربي متحملا آثار جرأتي في الرد على عالم كبير كاد الناس أن يفتنوا بل فتنوا به وبخواطره وأقول ما قال سلفنا الصالح (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[173 آل عمران]
في كتاب بعنوان (تسخير الجان وكرامات الأولياء) قضى مؤلفه فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي بقدرة بعض الناس على تسخير الجن بطلاسم وأسرار وأسماء ناحيا بذلك نحو المشعوذين والدجاجلة في ترويج سمومهم لتشكيك المسلمين في عقيدتهم ولا نجد هاديا خيرا من كتاب ربنا تبارك وتعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم للرد عليه فأقول وبالله تعالى التوفيق
إن الجن خلق من مخلوقات الله كائن وموجود ومخلوق من نار (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)[الرحمن 15] ومن طبيعة غير محسة لنا نحن البشر (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)[الأعراف 27] والجن مكلف بالإيمان برسالات السماء كالإنسان (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا)[الجن 1 ، 2] (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ)[الأحقاف 29 ، 30] والجن يعتريه ما يعتري ما يعتري الناس من انحراف في العقيدة كما انحرفت اليهود والنصارى بفعل من حرفوا لهم رسالات السماء (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)[الجن 3 – 5]
والجن منهم المؤمن ومنهم الكافر (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ) [الجن 11 ، 14]
والمؤمنون منهم يؤمنون بيوم الحساب وبالجنة والنار (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا) (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) [الجن 13 ، 15] ومنهم فرق انحرفت في عقيدتها وتفرقت إلى طرائق كثيرة كأصحاب الطرق الصوفية اليوم ويأتيهم التصحيح من رب العزة بأنه لا طريق إلا طريق الله المستقيم وأما الطرق الأخري فهي طرق الانحراف (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا)[الجن 11 ، 16] (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)[الأنعام 153]
بعد ذلك العرض الموجز لسمات الجن من القرآن الكريم نأتي إلى ما بقى من صفاتهم وهي ما لها ارتباط بقضية التسخير
يطالعنا الكتاب الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بأن ما يظنه بعض الناس من أن الجن يعلمون الغيب إنما هي مجرد أوهام من نسج خيالهم واسمعوا ما يرويه القرآن الكريم من اعترافهم بأنفسهم (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) [الجن 10] وقد انقطع عنهم السبيل الذي كانوا يحصلون منه على بعض الأخبار يوحونها إلى أوليائهم ليبسطوا سلطانهم الزائف على بقية الناس وبمجرد أن بعث الله سبحانه بخاتم رسله صلى الله