بشرية عيسى عليه السلام
– 1-
للدكتور إبراهيم هلال
حاول بعض النصارى أن يؤكدوا نظريتهم في ألوهية عيسى عليه السلام، ويؤكدوا عقيدتهم في التثليث بما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالي: {إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه}، وقالوا إن القرآن الكريم سمى عيسى عليه السلام كلمة الله، وروحه، ففيه جزء من الإلهية بناء على ذلك. وقالوا إن القرآن أقر تثليثهم وأقر قولهم بأن عيسى ابن الله، وروحه الاقدس بناء على هذه الآية، ولم ينظروا إلى قوله تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ولا إلى قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}. ثم سدروا في غيهم، وجاءوا إلى شباب المسلمين، وفتياتهم يقدمون لهم هذه الآية الأولى بفهمهم السقيم، ويبنون عليها، أن عيسى عليه السلام أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم، فدينه أفضل، ويجب اتباعه ما دام هو أفضل، وألف بعضهم في ذلك كتيبا صغيرا، بني على المغالطة والوهم والجهل، والكفر وعنونه بقوله: {الله واحد في ثالوث}، إلا أن بعض الشباب المسلم الذي لم يحط خبرا بخلق عيسى عليه السلام وبمعنى الكلمة في القرآن الكريم، والروح، كاد أن يتأثر بهذه المغالطة، ولولا تداركي لهم بفضل الله ورحمته لوقعوا في الإلحاد والشك. ولذلك فإني أستأذن قراء مجلة التوحيد الاعزاء في أن أتوقف معهم شيئا ما عن متابعة موضوع الإحياء والغزالي ريثما نجلي هذا الأمر، وخاصة أن علماءنا لم يسبق لهم إلا قليلا تجلية هذا الموضوع، بل وكاد يظن بعضهم بعيسى عليه السلام ما ظنت النصارى فيه أو اعتقدته، مثل الإمام الفاضل السيد محمد رشيد رضا في كتابه (الوحي المحمدي) حيث رد معجزات عيسي عليه السلام إلى شخصه وإلى طريقة خلقته التي خلق بها، والتي هى في نظر السيد رشيد رضا حالة خاصة بعيسى عليه السلام، دون بقية البشر وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ونبدأ ببيان المراد من (الكلمة) في القرآن الكريم، وبالروح ونفخها كما وردتا في هذه الآية التي يحتجون بها. فالمراد من الكلمة أو (كلمة الله) هى قوله (كن) كما قال تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} فإذا كان القرآن قال عن عيسى عليه السلام، أنه كلمة الله، فلا يعني بذلك أنه جزء منه وإنما هو أمره وخلقه، وأنه خلقه كبقية المخلوقات والناس بكلمة (كن) فليس جزءا منه. فقد أراد الله بالكلمة نفي أن يكون ولدا له لأن الوالد لا يخلق ولده. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. كما أن عيسى عليه السلام ليس فريدا بهذا التصريح في جانبه، فإن القرآن أضاف الكلمة أيضا إلى يحيى عليه السلام وجعله كلمة منه في قوله تعالى كاستجابة لنداء زكريا وطلبه للولد: {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}، فهذا نبي آخر تحدث عنه القرآن بأن الله سيخلقه بكلمة منه، فالكلمة هى الخلق وهى الأمر كما تقدم. وكلنا كلمات الله بناء على ذلك لأننا خلقنا بكلمة منه، فخلقه كلماته ونعمه على خلقه كلماته أيضا كما جاء في الآية الكريمة: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام، والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} وفي الآية الأخرى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}.
أما عن الروح وما جاء بصددها في خلق عيسى عليه السلام من مثل قوله تعالى: {والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا}. و{ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا}، فكلنا من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة نفخ من روح الله كما قال تعالى في شأن آدم أبي البشر: {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} فآدم عليه السلام لم يتحول من الطين إلى البشرية، إلا بالنفخ من روح الله كما تحول عيسى عليه السلام من عالم الأجنة إلىعالم البشر بالنفخ أيضا، وكما تحول كل إنسان من أبناء آدم في تناسلهم العادي كذلك كما جاء في قوله تعالى: {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون} فكل إنسان هنا قد نفخ الله فيه أو في أمه، كما نفخ في عيسى عليه السلام وفي أمه كذلك.
فأي فارق هنا بين خلق عيس