باب اللغة العربية
الطريق إلـى تقويم اللسان
بقلم الدكتور/ سيد خضر
االحلقة السابعة
الحمد للَّه ، والصلاة والسلام على رسول اللَّه وصحبه ، وبعد :
فإن اللغة العربية وعاءُ الحضارة الإسلامية ، ولا شك أن حفظ الوعاء وصيانته يضمن حفظ ما فيه ، وأنَّ أي ثَلْمٍ أو ضعف فيه يعني ضعف ما فيه ، من هذا المنطلق ننظر إلى لغتنا وعاءِ حضارتنا ، وندعو إلى تعلّمها وتعليمها والتعليم بها في كل مراحل الدراسة ، وإن تعليم العلوم الحديثة بغير العربية لهو ضربٌ لها في عقر دارها ، وإن دولاً وأقوامـًا أقل حضارة وأحدث نشأة منا تعلّم العلوم كلها بلغاتها الأصلية ، ولنا فيما يفعله اليهود واليابانيون والكوريون … إلخ مثل وعبرة .
والمترفون في بلادنا يسارعون إلى تعليم أولادهم في مدارس وجامعات تحتقر العربية ، فلا تعلّم بها ، فتنشأ أجيالٌ مقطوعة الصلة بدينها وحضارتها ، ولا يوجد بلد في العالم كله يفعل بتعليمه ما نفعله نحن في مصر ، والنتائج السلبية نراها كل يوم ونلمسها . إن العربية التي ارتقت إلى حمل رسالة اللَّه تعالى إلى البشرية لن تعجز عما هو أقل شأنـًا وأسهل مأخذًا ، ورحم اللَّه حافظ إبراهيم إذ يقول على لسانها :
وسِعْتُ كتابَ اللَّهِ لفظـًا وغايةً
وما ضقتُ عن آيٍ به وعظات
فكيفَ أضيقُ اليومَ عن وصفِ آلةٍ
وتنسيقِ أسماءٍ لمخترعــاتِ ؟
وبرنامجنا في مجلة التوحيد الغراء برنامج عملي ، بمعنى أننا بدل أن ننفق الوقت في الحديث عن تعليم العربية والاهتمام بها نقوم عمليـًّا بتعليمها وتقريبها إلى الناس ، سائلين اللَّه تعالى التوفيق والمعونة ، وكنا قد ابتدأنا الحديث عن (( كان وأخواتها )) ، ونتابع ذلك فنقول :
1. ظلَّ : وتفيد مع معموليها : ( اسمها وخبرها ) اتصاف اسمها بمعنى خبرها لمدة من الزمان ومنه :
أ- { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ } [ النحل : 58 ] ، تفيد { ظَلَّ } في الآية اتصاف المبشَّر بسواد الوجه حالَ علمه بأنه رُزق أنثى ، وهو من أخلاق الجاهلية التي ذمَّها القرآنُ ، { ظل } : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، (( وجهُ )) : اسمها مرفوع ، وهو مضاف ، والهاء ضمير مبني في محل جر مضاف إليه ، { مُسْوَدًّا } : خبر ظل منصوب بالفتحة الظاهرة .
ب- ويأتي خبرها جملةً فعلية في محل نصب ، كما في { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } [ الحجر : 14 ] ، واو الجماعة ضمير مبني في محل رفع اسم ظل ، { يعرجون } : جملة فعلية في محل نصب خبرها .
ج- ويأتي اسمها ضميرًا مستترًا ، كما في قوله : { قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } [ الشعراء : 71 ] . اسم ظل ضمير مستتر وجوبـًا تقديره نحن، { عاكفين } : خبرها منصوب بالياء.
د- وتحذف إحدى لاميها للتخفيف ، كما في : { وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا } [ طه : 97 ] ، { ظَلْتَ } : أصلها ظللت ، حذفت لامُها الثانية للتخفيف ، والتاء في محل رفع اسمها ، { عاكفًا } : خبرها منصوب ، وجملة ظل مع معموليها لا محل لها صلة الموصول .
3- أصبح : وتفيد مع معموليها اتصاف اسمها بمعنى خبرها في وقت الصباح غالبـًا ، وتوسع العرب في استعمالها ، فجعلوها للزمان غير المحدد ، ومن الأول قولك : أصبح محمدٌ نشيطـًا ؛ أي اتصف بالنشاط في وقت الصبح ، فإن أردت اتصافه بذلك على الدوام وأنه قد صار عادة له احتمل الكلام ذلك حسب السياق ، محمد : اسم أصبح مرفوع ، نشيطـًا : خبرها منصوب ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (( يعقدُ الشيطانُ على قافيةِ رأس أحدكم إذا هو نام ثلاثَ عُقَدٍ ، يضربُ مكانَ كلِّ عقدةٍ : عليك ليلٌ طويلٌ فارقُدْ ، فإن استيقظ فذكر اللَّه انحلت عقدةٌ ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقَدُه كلها ، فأصبح نشيطـًا طيبَ النفس ، وإلا أصبح خبيثَ النفسِ كسلان )) . [ البخاري ومسلم ، (( صحيح الجامع )) : (8107) ] .
اسم أصبح ضمير مستتر تقديره هو ، نشيطـًا : خبرها منصوب وطيبَ خبر ثانٍ ، وخبيث : خبر أصبح الثانية منصوب ، وكسلان خبر ثان ، فهذا كله من اتصافها بذلك وقت الصباح ، ولكن العرب توسعوا في استعمالها ، فجعلوها لعموم الزمان ، ومنه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات: 6 ] ، (( تصبحوا )) : فعل مضارع ناقص منصوب بحذف النون عطفـًا على { تصيبوا } ، والواو : اسمها في محل رفع ، { نادمين } : خبرها منصوب بالياء ، وهي لا تعني صباحـًا معينـًا ، بل هي للدوام والاستمرار ، واللَّه أعلم .
وقد تستعمل أصبح تامة بمعنى الدخول في وقت الصبح ، مثل : أصبح محمدٌ ، ومنه : أصبحنا وأصبح الملك للَّه ، أصبح الأولى : تامة بمعن