باب السنة
يقدمه
فضيلة الشيخ محمد على عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة
النهي عن تمني الموت
عن أنس بن مالك رضي اللَّهُ عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : ” لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه. فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما دامت الوفاة خيرًا لي” رواه البخاري وأحمد والترمذي.
المفردات
التمني في اللغة = طلب شيء مرغوب فيه بعيد الوقوع.
لا يتمني الموت = أي لا يدعو علىنفسه بالموت، لأن ذلك اعتراض على قدر اللَّه.
ضر أصابه = مكروه نزل به كمرض أو فقر أو خوف أو تعرض لمهلكة أو محنة عدو ونحو ذلك مما تكرهه النفس.
المعنى
الرضا والتسليم بقدر اللَّه من الإيمان، لقوله صلى الله عليه وسلم حينما سأله جبريل عن الإيمان (… وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ). ومن كان مؤمنًا بالقدر لا يهتز إيمانه عند المصيبة، لأن الإيمان يستقبل المكاره التي قدرها اللَّه تعالى بالتسليم.
والعبد الذي تمنى الموت من مكروه ينزل به من مرض أو فقر أو تعرض لمهلكة أو شدة، عبد ضعيف النفس، خائر العزيمة، يائس من رحمة اللَّه تعالى، أو جاهل أحمق لا يدري ما يكون المصير بعد الموت.
والمطلوب من المرء مقاومة هذه الأمور، واستقبال قدر اللَّه بقلب معمور بالإيمان، فيصبر على الضر الذي أصابه، وله في ذلك جزاء الصابرين، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
إن اللَّه تعالى اقتضت حكمته أن يبتلي عباده بالخير والشر: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، وقال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ 2 وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} والمقصود من الفتنة الاختبار والابتلاء.
ومع أن الأنبياء هم أقرب الخلق إلى اللَّه، فقد ابتلاهم اللَّه بأشد أنواع الابتلاء، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : ( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ) فقد ابتلى اللَّه أيوب بالمرض والفقر وهلاك الأولاد فصبر. كما ابتلي إبراهيم بكثير من المحن فنجح فيها جميعا {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} وكان أشدها ابتلاءه بذبح ولده. فانصاع للأمر وما تراخى عزمه وما تأخر. وابتلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعداوة أهله والتآمر على قتله، وموت أبنائه وبناته جميعًا قبله ما عدا فاطمة، وابتلى بأيام فاقة ولا يجد في بيته ما يوقد له نار، وابتلى في غزوة أحد بشج رأسه وكسر رباعيته وغير ذلك كثير.
وعندما اشتدت عليه المحنة بمكة وضاقت به السبل، وذهب إلى الطائف لعله يجد عند أهلها صدورًا خصبة للإيمان، فردوه بالحصى والإهانة، فلم يشك إلا إلى اللَّه بقوله: ( اللهم أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين: أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي. غير أن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له السموات، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي سخطك أو يحل علي غضبك ولك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك ).
وهكذا علمنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نفزع إلى اللَّه عند الشدائد، فمن ابتلى بمصيبة أو ضرر في بدنه أو ماله أو ولده أو نحو ذلك وجب عليه الصبر، وحبس النفس عن الشكوى، وكف اللسان عن التذمر، لأن الأمور كلها بيد اللَّه الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، وهو الحكيم في قدره، والقادر الذي لا راد لقضائه، ولا مانع لما أعطى، بيده ملكوت كل شيء من سعادة وشقاوة، وغنى وفقر، وصحة ومرض، وآجال وأرزاق. فمن احتسب فأجره على اللَّه، ومن جزع ولم يصبر فإنما إثمه على نفسه.
فعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي اللَّهُ عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها: إلا كفر اللَّه بها من خطاياه ) متفق عليه.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم سبب النهي عن تمني الموت، وذلك بأن العبد إن كان محسنا فحياته يرجو أن يزداد بها إحسانا، وإن كان مسيئا فإنه يرجو أن يزيل الإثم عنه بالتوبة والإنابة قبل الموت.
كما وردت بعض الأحاديث بفضيلة طول العمر مع الطاعة. روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس خير؟ قال: من طال عمره وحسن عمله. وسئل: أي الناس شر؟ قال: من طال عمره وساء عمله.
وفي الترمذي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أحد يموت إلا ندم: إن كان محسنًا أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئا أن لا يكون قد استعتب ) أي تاب وأناب إلى اللَّه، ورد المظالم، وتدارك ما فاته.
أما تمني الموت تشوقً