باب السنة
يقدمه: الشيخ محمد علي عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة
محبة النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنته وليست بالاحتفال بمولده
جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. رواه الشيخان كما جاء في أسنى المطالب.
المعنى:
لا يكون العبد مؤمنًا إلا إذا استقرت محبة اللَّه ورسوله في قلبه بالدرجة الأولى، لا يدانيها محبة والد ولا بنين ولا الناس أجمعين. فمن فقد هذه المحبة فقد الإيمان وخرج من ملة محمد عليه الصلاة والسلام.
إن رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، غني عن الشهرة بالمحبة الكاذبة التي يصطنعها الناس في مناسبة مولده.
فاسمه عليه الصلاة والسلام جار على كل لسان، ولم يخل من ذكره عصر ولا مكان، تخطى أربعة عشر قرنًا من الزمان، وما يزال على جدته، آخذًا في الإشراق والانتشار حتى ألفته الأسماع، وهتفت له القلوب، وقد قرن الله اسمه باسم نبيه في الأذان والتشهد وغيرهما، وسيظل كذلك ما بقيت السماوات والأرض، وما بقى الإسلام قائمًا، والقرآن ماثلاً، ولن يزول القرآن؛ لأن الله بحفظه كفيل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
وإذا كان اسم الرسول صلى الله عليه وسلم مقرونًا باسم الله عز وجل على نحو ما تبين، فإن قلب المؤمن يمتلئ روعة وخشية، ويسبق إلى قلبه كل معاني الكمال والجلال كلما هتف باسم الله تعالى ورسوله عليه السلام.
وإن الباحث في منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، يجد أن خير ما اتصف به هذا الرسول الكريم: الخلق العظيم، الذي أثنى عليه ربنا عز وجل في كتابه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، بل يرى الباحث عجبًا في علمه الواسع وعلقه الراجح.
ومن البواعث على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم أنه جاء بدين أساسه توحيد الله، فحطم الوثنية في جميع أشكالها، وأزال الشرك في كافة صوره، وجعل المؤمنين لا تتعلق قلوبهم بموتى، ولا مقامات ولا صالحين، بل تتعلق قلوبهم بالله وحده: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ}، كما أنه أتى من ربه بالهداية، وأنقذ الأمة من العماية، ودعا إلى الفلاح، وأرشد الناس إلى طريق النجاح، وأوضح أنه ما من أمر يقرب إلى اللَّه عز وجل إلا وأمر به، وما من أمر يبعد عن الله عز وجل إلا ونهى عنه.
من أجل ذلك كانت محبته صلى الله عليه وسلم غذاءً للأرواح، وقوتًا للقلوب، وفيها يتنافس المتنافسون، وإليها يعمل العاملون.
وإذا كان الإنسان يحب غيره لأخلاقه الحسنة، وسيرته الحميدة، فكيف بمن بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وأرسل رحمة للعالمين؟
بهذا وجب أن تكون محبتنا له أوفى محبة، بل أفضل من محبتنا لأنفسنا وأولادنا وأهلنا والناس أجمعين.
ومقتضى هذه المحبة: أن ننهج منهاجه، ونسير على الشرع الذي جاء به من ربه، وأن نطيعه في كل ما أمر، لأن طاعته من طاعة اللَّه، {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
وتتمثل هذه الطاعة أيضًا في اتباع سنته قولاً وفعلاً، والتزام دينه حكمًا وشرعًا وسلوكًا، والانقياد لأمره، والخضوع لحكمه، والتسليم لكل ما جاء به، وتحكيم سنته عند كل خلاف، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.
ولكن ما بال الأمة تحتكم إلى الأهواء والقوانين الوضعية، وإلى مشايخ الطرق الصوفية، وبعد ذلك يدعون أنهم لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم محبون، وبسنته عاملون، واللَّه يعلم أنهم بهذه المحبة الكاذبة مغرورون.
انظر إلى السرادقات الفخمة التي تقيمها الأوقاف ومشايخ الطرق الصوفية ومن على شاكلتهم ممن شاقوا اللَّه ورسوله بالابتداع في الدين، تقام في مناسبة المولد أعياد نهى الرسول نفسه عنها بقوله الكريم: اللهم لا تجعل لقبري عيدًا- اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ).
هذه الأعياد تنطوي على التهريج بإلقاء المدائح الكاذبة التي تتمثل في شركيات، كما قال البوصيري في بردته التي يرددونها في أورادهم ومدائحهم للرسول صلى الله عليه وسلم:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حدوث الحادث العمم
فاللياذ واللالتجاء لله وحده، ولكن البوصيري سلب حق الله تعالى وجعل الالتجاء وقت الشدة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا شرك باللَّه يستوجب الخلود في النار: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}، وكما يقولون أيضًا في مدح الرسول بالباطل:
يا أول خلق اللَّه- ومعلوم أن أول ما خلق اللَّه القلم، وقال الله له: اكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وكما يقولون في مدح الرسول مدحًا كاذبًا:
ومن جودك الدني