باب السنة
يقدمه فضيلة الشيخ محمد على عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة
ثروة العلم وثرة المال والنصح فيهما
(1) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها] متفق عليه
(2) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فسمعه جاره فقال ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل] رواه البخاري والنسائي
المفردات
الحسد = الحسد هنا بمعنى الغبطة لأن الحسد أن يرى المرء نعمة عند أخيه فيتمنى زوالها عنه أويسعى في زوالها
الهلكة = الإهلاك بمعنى الإنفاق في طرق الخير
آناء الليل أوالنهار = ساعات الليل أوساعات النهار
يتلو= يقرأ وتلاوة القرآن تستلزم اتباعه والعمل به
الحكمة = معرفة الحق والعلم بالسنة والعمل بها
المعنى
الحسد معناه كراهية الخير للناس وتمني زوال النعمة عنهم ولا يتخلق به إلا ذوو النفوس الضعيفة التي انحسر عنها داعي الخير واستقر في قلوبهم الأثيمة بواعث الشر والحقد والكراهية
فإذا أضيف إلى ذلك سعي الرجل الخبيث في زوال نعمة غيره بوشاية أوعمل حسي أوشكاية كيدية كما يفعل أهل الخبث والسفهاء من الناس فإن ذلك يدعو إلى الفرقة وتزايد الفحش بين الناس
وقد أمر الله تعالى بالتعوذ منه بقوله (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)[5 الفلق] وهذا محرم مذموم لأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب غير أن الحسد وإن كان شرا إلا أنه تارة يأتي بمعنى الغبطة وهو نوع محبوب كأن يرى الإنسان نعمة العلم أوالمال فيتمنى أن يكون له مثلهما فهو من باب تمني الخير فإذا أضاف إلى ذلك سعيا منه وعملا مشروعا لتحصيل ذلك فقد جمع خيرا ونورا على نور
والحديث بروايتيه يتضمن صفتين جديرتين بالغبطة
فالأولى نعمة القرآن التي من الله على عبد من عباده وهبه حفظه وتدبر معانيه فأحل حلاله وحرم حرامه وعلم أحكامه وآدابه وأخلاقه فذاق حلاوته وعرف مكانته فحرص عليه حرصا يبتغي به وجه الله تعالى واتخذ القرآن أنيسه وجليسه فهو يتلوه آناء الليل وساعات النهار كلما يتلو ازداد بالله إيمانا فأحيا القرآن قلبه وأيقظ عقله فاهتدى بهديه واتخذه إماما له
كما أنه يقضي به بين المتنازعين ويدعو الناس إليه ويعلمهم أحكامه فأورثه الله الحكمة التي بها يزن الأمور بميزان القرآن الحق ويقول فيها القول الفصل (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)[269 البقرة]
ولا يدخل في هذا الفضل العظيم من يقرءون القرآن لإعجاب الناس بالتطريب والتمديد ابتغاء مديحهم وثنائهم طلبا للشهرة وجريا وراء المادة فالقرآن حجة عليهم يوم القيامة لأنهم لم يخلصوا القراءة لله واشتروا به ثمنا قليلا
فالله أسأل أن يوفقنا لتلاوته ليلا ونهارا وأن يؤتينا من الحكمة مثل ما آتى أهل القرون
الأولى (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[58 يونس]
والصفة الثانية
وهي الغبطة بالرجل الذي منحه الله مالا فجعل ينفقه في سبيل الله وأوجه الخير لا تحت أقدام الراقصات الغانيات ولا في رياء وشهرة ولكن في سبيل عزة الإسلام ونشر العلم وتفريج كربات المكروبين والتيسير على المعسرين والمقلين كما يصل رحمه ويعطف على الأرامل واليتامى ويساعد على إقامة المشروعات النافعة التي بها ترقى الأمة ويعتز الإسلام
فالغبطة في مثل هذه الأمور محمودة لأن فيها تمنيا للخير وسيرا على طريق الحق والصواب
أما إذا كان فيها التمني لحصول مطالب الدنيا وملذاتها وشهواتها فهي غبطة مذمومة كما قال الله حكاية عن قوم قارون (يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[79 القصص]
ما يستفاد من الحديث
1 – النهي عن الحسد المذموم في كل حال وهو تمني زوال نعمة الغير
2 – لا حرج على الإنسان في الغبطة وذلك بأن يتمنى نعمة مثل نعمة غيره ليتمثل به في عمل الخير
3 – إذا اجتمع العلم والمال في إنسان كان ذلك جماع المكارم
4 – من أوتي القرآن تلاوة وعملا فقد أوتي خيرا كثيرا فأي فضل أعلى وأكرم من هذا الفضل
(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين 26]
محمد على عبد الرحيم