باب السنة
يقدمه
فضيلة الشيخ محمد علي عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة
الحج
حكمة الحج – التعجيل به – التلبية ومعناها – الحج المبرور – لا يقبل الحج إلا من مال حلال – النهي عن سفر المرأة بدون محرم في الحج وغيره.
* * *
لما نزل قوله تعالى ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)) [البقرة: 197] بين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشهر. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال «هي شوال وذو القعدة والعشر الأولى من ذي الحجة» وعن جابر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا ينبغي لأحد أن يحرم إلا في أشهر الحج، إلا المعتمر)).
ولمناسبة إقبال موسم الحج تعين أن أبين – في هذا العدد والذي يليه إن شاء الله – الأمور التي تهم القارئ بالنسبة لركن عظيم من أركان الإسلام.
حكمة الحج:
إن في الحج مظهراً من مظاهر عز الإسلام، وتوحيد الكلمة بين المسلمين، لو فطنوا لحكمة اجتماعهم في المشاعر العظام لنبذوا أسباب اختلافهم، وحققوا وحدتهم،وتم التعارف بينهم، الذي من أجله شرع الله صلاة الجماعة والجمعة والعيدين.
وأعظم من ذلك ما اقتضته حكمة العزيز الحكيم، باجتماع المسلمين من المشارق والمغارب بالبلد الأمين، مرة كل عام، ليتدارسوا أحوالهم، ويوحدوا كلمتهم، فيعملوا على نصرة دينهم، و إعلاء كلمة الله تعالى، لتكون لهم العزة والكلمة العليا ((وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)) [المنافقون: 8].
ترى الناس في مشاهد الحج أجناساً مختلفة من البشر، تعددت لغاتهم، وتباينت ألسنتهم، ومع ذلك فلا فرق بين غني وفقير، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين العامة وأرباب السلطان. ذلك لأن الحجاج يشعرون أنهم إخوة متقاربون متعاطفون. انحسر عنهم كبرياء الألقاب، وعزة الأنساب، يقفون في صعيد واحد. فمن أمم متباينة، وشعوب متباعدة، فإذا قلوبهم متآلفة، تنبض بتوحيد الله تعالى، وتهتف ألسنتهم ((لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك)).
معنى التلبية:
معنى لبيك اللهم لبيك: إجابة منا لك يا ربنا بعد إجابة، لقد ناديتنا فأتيناك، وأمرتنا فأطعناك. وكل نعمة مصدرها منك، فالحمد لك وحدك، لا رب سواك، ولا شريك لك في ملكك. وهذا هو منتهى الإخلاص في العبادة.
التعجيل بالحج:
إذا كان الحج خامس أركان الإسلام، فليس معنى هذا أن نأخذه بالتراخي والفتور، بل ينبغي على كل من استطاع إليه سبيلا أن يتعجل به. فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من أراد الحج فليتعجل. فإنه قد يمرض المريض، وتضل الراحلة، وتعرض الحاجة)) رواه أحمد وابن ماجة.
وعن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ((تعجلوا بالحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)) رواه أحمد.
من هنا أخذ بعض الأئمة – كمالك رحمه الله – أن الحج مفروض على الفور عند الاستطاعة. روى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه ((لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى الأمصار، فينظروا كل من كان له جدة (بكسر الجيم وفتح الدال) ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين)) وفي ذلك تغليظ شديد لعظم ذنب ترك فريضة الحج.
الحج المبرور:
من مقاصد الحج التوبة إلى الله والرجوع إليه من جميع الذنوب والآثام، والابتهال إلى الله تعالى بالدعاء أن يمنح الحاج خيري الدنيا والآخرة. ويتجلى ذلك في الدعاء القرآني ((رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) [البقرة:201] فالحج المبرور هو الذي يستجاب فيه دعاء الحاج، ويكون جزاؤه الجنة.
ولا ينعقد الحج المبرور إلا إذا حسنت النية، وخلص العمل، دون شهرة ولا رياء ولا سمعة – كما يفعل البعض في هذا الزمان، جرياً وراء لقب (حاج) أو لحسن الأحدوثة بين الناس – فإن ذلك رياء وشرك، والله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك. فمن أشرك في العمل غير الله تركه وشركه، كما أن الله لا يقبل العمل من مسمع ولا من مراء ولا منان. قال تعالى ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)) [البينة:5] أي بعيدين عن الشرك. كما أن الحج المبرور لا يحصل إلا بالنفقة الطيبة والمال الحلال. وقد أحسن من قال:
إذا حججت بمال أصله سحت
فما حججت ولكن حجت العير
ما يقبل الله إلا كل صالحة
ما كل من حج بيت الله مبرور
ويترتب على الحج المبرور ما يلي:
1-حصول المغفرة من الله عز وجل، إذا حسنت النية وصلح العمل ((من حج فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).
2-لما كان الحج نوعاً من الجهاد – منح الله الحاج ما يمنح المجاهد في سبيل الله. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل الأعمال. أفلا نجاهد؟ فقال: (( أفضل الجهاد حج مبرور)) رواه البخاري.
3-الكسب المضاعف والربح العظيم الذي وعد به رب العالمين ((وَلَا يُنْفِقُونَ ن