باب السنة
يقدمه
فضيلة الشيخ محمد علي عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة
التوكل على الله في كل الأمور
-2-
التوكل على الله في السفر – سؤال العبد ربه أن يكون سفره محققاً لمصالح الدنيا والدين – الاستعاذة بالله لدفع شرور السفر وأخطاره – تذكر آلاء الله وكرمه – اختتام السفر بشكر الله تعالى.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون. اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما تحب وترضى. اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطوعنا بعده. اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب، في المال والأهل والولد. وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون، عابدون لربنا حامدون) رواه مسلم.
المفردات
سبق شرح معاني المفردات في عدد شعبان الماضي من المجلة.
المعنى
ذكرنا فيما سبق أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله تعالى على سائر أحواله، وأوضحنا أن السفر ثلاثة أنواع:
1- سفر طاعة كشد الرحال للمساجد الثلاثة، والسفر لزيارة ذوي الأرحام البعيدين عن الإنسان، والسفر للجهاد أو طلب العلم النافع ونحو ذلك.
2- سفر مباح كالسفر للتجارة، أو الصيد والقنص، أو اكتشاف المجهول من الأرض، أو البحث عن الثروات المعدنية أو غيرها.
3- سفر معصية كالسفر للسهرات المحرمة، أو للتجارة في المحرمات كالمخدرات والخمور، أو مزاولة أعمال الأفلام التمثيلية والراقصة وغيرها مما حرم الله، وكذلك من سفر المعصية شد الرحال للموالد، والتبرك بالصالحين.
فسفر الطاعة والمباح، للمسافر أن يقصر صلاته فيه حتى يرجع إلى بلده، ولذا يلجأ إلى الله في سفره، مستعيناً به، ومتوكلاً عليه، وذلك عند شروعه في السفر، والله تعالى يعلم صدق نيته،وحسن توكله عليه، فيتولاه برعايته، ويعصمه من السوء. وإن كان سفره سفر معصية، تخلى الله عنه، وخذله في الدعاء، ولا تفتح له أبواب السماء، بل وكله إلى الشياطين، وسلط عليه من يسيء إليه في صحته وماله وأهله. ومن ذلك يتضح مزية توكل المؤمن على ربه في أسفاره، يجعل الله له من لدنه ولياً، ويجعل له من لدنه نصيرا.
والحديث يتضمن فوائد كثيرة، كلها خير للمؤمن، من شكر الله على نعمائه، وتذكر العبد لآلائه سبحانه، واتخاذ المؤمن سفره المباح نوعاً من عبادة الله تعالى.
فإذا استوى على راحلته، أو ركب مركبه من سيارة أو قطار، أو باخرة أو طائرة، قاصداً السفر المشروع (مباحاً أو تعبداً)وكبر الله ثلاثاً مستفتحاً سفره بذكره الله والثناء عليه قائلاً «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون » كان هذا الذكر أحسن ثناء على الله بتسخيره وسائل الركوب التي تحمل النفوس والأثقال إلى بلاد بعيدة، وأقطار نائية. وهذا اعتراف جميل بنعمة الله تعالى.
يذكرنا ذلك ما قاله نوح عليه السلام للراكبين معه في سفينته ((ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)) [هود: 41] فعلى بركة من الله ركبوا، وعلى بركة من الله تم جريان السفينة، وكتب الله لمن فيها السلامة إلى أن جاء مرساها.
فوسائط النقل والركوب من نعم الله وتسخيره. وعلى العباد أن يعترفوا بنعمة الله عليهم وخاصة وقت استعمالها.
وقول الرسول عليه الصلاة والسلام «وما كنا له مقرنين» أي مطيقين – فلو كان الأمر منوطاً إلى قوتنا وإلى حولنا، لأحاط بنا الضعف، وفقدنا القدرة، ولكن الله تعالى تداركنا بعنايته فسخر لنا ما حولنا، وعلمنا صناعة المركوبات، وسخر لنا الحيوانات، فضلاً منه ونعمة.
وإذا كان العبد بمفرده عاجزاً، لولا عناية الله به من تسخير الوسائل التي يستعملها في أسفاره، فعليه أن يقابل نعمة الله بالشكر ((لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)) [إبراهيم:7].
ترى – بضم التاء – هل يذكر الله تعالى ويشكره على مثل هذه النعم إلا المؤمن الذي امتلأ قلبه نوراً بتوحيد الله تعالى؟ نعم لقد عرف أن له رباً يدبر كل شيء، وبيده ملكوت القلوب والأبصار. أما عدو الله، الذي يتمرد عليه ويستكبر، أو يستعين بمخلوق لا يملك حولاً ولا طولاً، فتراه محروماً من عون الله، بعيداً عن هدايته، يعيش في غفلة عن شكر الله، بل في استكبار على خالقه، الذي لولاه لما حصل له هذا النعيم.
وفي الحديث أيضاً عظة وعبرة بسفر الدنيا الحسي، إلى سفر الآخرة المعنوي لقوله «وإنا إلى ربنا لمنقلبون» فسبحان الله تعالى كما بدأ الخلق، فهو يعيدهم ليجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي الذين احسنوا بالحسنى.
كما في الحديث سؤال الله تعالى الإعانة في السفر، ودفع المشاق، وتيسير الراحة، وأمن الطريق من المخاوف، وغير ذلك من الم