باب السنة
يقدمه
فضيلة الشيخ محمد علي عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة
نصر المظلوم، وكف الظالم عن الظلم
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قيل يا رسول الله: هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تأخذ فوق يديه) رواه البخاري ومسلم والترمذي. وفي رواية لأحمد: تحجزه فإن ذلك نصره.
المفردات
أنصر أخاك = أعن أخاك في الدين، ويقال نصره: أي أعانه على عدوه
أنصر أخاك ظالماً= أي تمنعه من ارتكاب الظلم.
الظلم= أصل الظلم الجور، ومجاوزة الحد، والتعدي على الحقوق.
أو مظلوماً=أي تعين المظلوم على الظالم، وتخلصه من ظلمه.
كيف أنصره ظالماً= استفهام إنكاري، لأن الظالم غشوم، استمرأ الحقوق. فكيف نعينه على ظلمه؟
فقال تأخذ فوق يديه= أجاب النبي صلى الله عليه وسلم، بما يزيل اللبس، فقال تكفه عن الظلم، وتمنعه منه.
المعنى
الإسلام دين الأخوة والرحمة، ووشائج المودة بين أهله تصرف عنهم الشحناء، وتدعوهم إلى التراحم، وإشاعة العدالة بينهم، فلا يعتدي أحد منهم على الآخر، ولا يظلم بعضهم بعضاً. كما أوجب الإسلام أن يحب المرء لأخيه ما يحبه لنفسه، ويكره الشر لغيره كما يكرهه لنفسه.
وعدالة الإسلام تقتضي أن يسعى المرء في خير أخيه، كما يمنع الشر عنه، فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه – بضم ياء المضارعة وكسر اللام – كما أوجب على المسلمين إصلاح ذات البين. قال تعالى: ((وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)) [الأنفال: 1]. وقال سبحانه: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ))[الحجرات: 9].
ولكن من الناس من استولت عليهم الأنانية، واستحوذ عليهم حب النفس، فاستلبوا أموال الناس واغتصبوا حقوقهم، وقد تسول لهم نفوسهم إن كانوا من أرباب الجاه والمناصب أن يبطشوا بالأبرياء، ويزجوا بهم في أعماق السجون.
وهؤلاء يجب أن نعمل بكل الطرق على ارعواء الظالم عن ظلمه، لنرفع الحيف عن المظلوم، ونسترد حقه المسلوب.
والظلم أنواع أهمها نوعان:-
1 – ظلم العبد لنفسه وأعظمه خطراً: الشرك بالله. قال تعالى (( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان: 13] فإن المشرك وضع الأشياء في غير موضعها: فنزل – بتشديد الزاي – المخلوق بمنزلة الخالق، فعبده بالالتجاء إليه وقت الشدة، والاستعانة به عند الحاجة، أو طلب صرف المكروه عنه. مع أنه عبد لا يملك حولاً وطولاً،ولا ضراً ولا نفعاً. وقد يكون من الأموات الذين لا يشعرون أيان يبعثون.
وهذا النوع من الظلم لن يغفره الله لصاحبه إذا مات عليه دون توبة منه وذلك بالرجوع إلى التوحيد الخالص ((مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار)) من آية 72- المائدة.
2 – النوع الثاني: وهو ظلم العبد لغيره من الناس. وهذا يجب تبيينه للناس. فقد وردت أحاديث وآثار كثيرة في تحريم الظلم. روى مسلم والترمذي وأحمد أن الله عز وجل قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم فلا تظالموا).
وجاء في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا).
وقد توعد الله تعالى الظالمين بأليم العذاب،وشديد العقاب. فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. ثم قرأ: ((
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102] رواه مسلم.
فالظالم هو المعتدي، والمظلوم هو المعتدى عليه (بفتح الدال) فعلى الظالم أن يتخلى عن ظلمه، ويعطي للمظلوم حقه في الدنيا، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
ونصر المظلوم يقتضي الوقوف بجانبه، ورفع الحيف عنه، والعمل على استرداد حقه وأن تكون يدنا في يده، حتى ينال حقه، وتسكن نفسه، ويطمئن خاطره.
ثم سئل النبي صلى الله عليه وسلم: هذا ننصره مظلوماً. فكيف ننصره ظالماً ؟ قال تأخذ فوق يديه. أي تحجزه وتمنعه من الظلم.
فالظالم قد يغتصب حق غيره، أو يبطش بمن دونه. وإذا لم يجد من يردعه أو يخيفه أو يرشده زاد في طغيانه وعاث في الأرض فساداً.
والسبيل إلى كفه عن الظلم يكون في حدود الاستطاعة بأية وسيلة مجدية:-
1 – فإن كانت النصيحة رادعة سلك سبيلها من أراد نصره، وحينئذٍ أقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2 – وإن لم تكن النصيحة مثمرة: أمكن الاستعانة عليه بمن هو أعلى منه شأناً، أو من يخشى بأسه.
3 – وإن لم يكن في ذلك رادع