باب السنة
يقدمه
فضيلة الشيخ محمد علي عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة
أجر الداعي إلى الخير، وإثم الداعي إلى الشر
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان له من الإثم مثل آثام من اتبعه، لا ينقص من آثامهم شيئاً) رواه مسلم.
معاني المفردات
دعا إلى هدى = حث عليه ورغب فيه (بتشديد الغين).
هدى= رشاد وصلاح وسلامة عقيدة، وعلم نافع وعمل صالح.
ضلالة= زيغ وفساد عقيدة، وابتداع في الدين، والتنكب عن جادة الحق.
الإثم=الذنب الذي يقتضي العقاب.
المعنى
من الناس من أُشربوا في قلوبهم حب الخير بإيمانهم، فيكون الواحد منهم نبراساً يدحض الشبهات، ويزيل عن العقول رين الشكوك والارتياب، قد آتاه الله من صفاء العقيدة، وقوة الحجة، وسعة الأفق، وسلامة الإيمان، ما يمكنه من دفع الباطل، وإرشاد الناس إلى الخير والصلاح، وكشف ما يخفى عليهم من أمور دينهم، أو يستعصى فهم أمر من أمور الشريعة الغراء. فيكون كالماء العذب الذي صادف بذراً طيباً في أرض خصبة، فلا يلبث أن يأتي بأطيب الثمرات من طهارة النفوس من دنس الشرك بالله، ووصمة الإلحاد. وذلك لا يكون إلا بالدعوة إلى سلامة العقيدة، وطهارة القلوب، وتزكية الأخلاق، فسلكوا الطريق المستقيم، من خير يفيد فاعله، ويعود على المجتمع بالخير العميم.
هذا الداعي إلى الخير، حمل وظيفة الرسل، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ودعا إلى الإصلاح. وكان لدعوته صدى في الاستجابة لها، وكان له من الثواب الجزيل من الله الواسع العليم، مثل ثواب جميع من اتبعه، لا ينقص ذلك شيئاً من ثوابهم.
ولا غرو فإن المهتدين على يديه ما نالوا ما أصابهم من خير إلا بسبب هذا المرشد الهادي إلى سواء السبيل، وما وصلوا إلى النجاة إلا بنصحه وإرشاده.
إن المرشد إلى الخير يعمل على إصلاح الفرد والمجتمع، فيتحول شرهم خيراً، وشقاؤهم سعادة، وبؤسهم رغداً وهناءة، فله من الله تعالى الجزاء الأوفى، والثواب المدخر.
وكل من دعا إلى عمل صالح يتعلق بحق الله، أو بحقوق خلقه عامة فهو داع إلى الهدى.
وكل من أبدى نصيحة دينية أو دنيوية، يتوسل بها إلى صلاح الدين، فهو داع إلى الهدى.
وكل من أرشد الناس إلى التوحيد الخالص، والعقيدة الإسلامية الصحيحة، البعيدة عن الوثنية، أو دعا إلى نبذ التعلق بقبور الموتى من الصالحين فهو داع إلى الهدى.
وكل من تقدم بعمل خيري أو مشروع نافع للناس، أو عاون على البر والتقوى، فهو من الداعين إلى الهدى.
وكل من نعى على البدع وشدد عليها النكير، رغبة في الاقتداء برسول الله فقد أحيا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
هذا كله هو الذي عناه الشطر الأول من الحديث الشريف، من مضاعفة أجر الداعي إلى الخير، بقدر عدد من اتبعه من الناس واستجاب لما يدعو إليه.
وعلى النقيض من ذلك: هنالك قوم اتسموا بفساد العقل، وسخف الرأي، وسقم الدين (بفتح السين والقاف) فيختلط عليهم الصواب،ويتيهون في ظلمات البدع والضلالات، ويهيمون في أودية سحيقة من الشرك والوثنية، وينغمسون في طرق ما أنزل الله بها من سلطان، ويزين لهم الشيطان أنهم أولو رأي صائب، وعقل راجح، ومذهب صادق، فيجتهدون في ترويج باطلهم، وتحسين زائف قولهم، كمن يعبدون الله على غير ما شرع، ويحدثون في الدين من البدع ما أفسد على الناس عقائدهم، وأحبط الله أعمالهم. وإن أراد القارئ الكريم دليلاً حسياً على صدق ما أقول، فلينظر ما يفعله المتصوفة حول قبور الحسين رضى الله عنه والبدوي والدسوقي وغيرها، من الاستعانة بالمقبور والطواف حوله والنذر له وشد الرحال إليه، والصلاة بجواره، والتبرك بخشبه ونحاسه وحديده، هذا إلى كسوة المقصورة بأفخر أنواع الحرير والديباج، ثم وضع العمائم على القبر، لتغرير العامة والدهماء، ثم بناء القباب على هذه القبور، وإضاءتها ليلاً بأسطع الأنوار. كل ذلك بحجة أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فيخرجون الآية الكريمة عن معناها الصحيح، ويحملونها باطلاً حرمه الله، وهم بهذه الأعمال الشركية، يضللون العامة، ويغشونهم في أمر دينهم، ولا يزالون يمدحون صاحب القبر، ويخلعون عليه خرافات باسم الكرامات، حتى يردوهم عن الفطرة السليمة إلى وعثاء التخبط والحيرة، فتتردى في مهاوى الهلكة، وتبوء في الآخرة بسوء العقبى وسوء المصير.
ودليلنا على أن الإسلام طريق واحدة ولا يحتمل تعدد الطرائق، ما جاء في الحديث الصحيح أن اليهود والنصارى اختلفوا إلى نحو ثنتين وسبعين فرقة، وستختلف الأمة الإسلامية إلى أكثر من ذلك، كلهن في النار إلا واحدة. فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الطائفة الناجية، فقال: المتمسكون بكتاب الله وسنتي.
والدليل على تحريم اتخاذ القبور مساجد قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن من شرار الناس من ت