باب السنة
يقدمه فضيلة الشيخ محمد علي عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة
محبة النبي صلى الله عليه وسلم
وبدعة المولد
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
المعنى
إذا كان الإيمان بالرسول ? واجباً، لأنه من أركان الإسلام،ودعامة من دعامات الإيمان، فإن ذلك يقتضي الشهادة له بالرسالة، والتصديق بكل ما جاء به، واتخاذه أسوة في كل ما ورد عنه من أقوال وأفعال.
كما أن محبته صلى الله عليه وسلم من أوجب الطاعات، ولذا كانت المنزلة التي يتنافس فيها المتنافسون، وإليها يشخص العاملون.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، أن العبد لا يكون مؤمناً ( وفي هذا نفي للإيمان عنه) إلا إذا كانت محبته للنبي فوق محبته لوالده وأولاده والناس أجمعين.
وليعلم كل مسلم أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم شرط في صحة الإيمان، وقد ورد في بعض الروايات: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين، وفي رواية (ومن نفسه التي بين جنبيه).
فدل ذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعز وأحب وأغلى ممن يتعلق القلب به، من الحرص على النفس، ومن الأهل والولد والناس جميعاً.
وإذا لم يتحقق ذلك في الإنسان فليس بمؤمن. روى عبد الله بن هشام أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم (لأنت يا رسول الله أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي). فقال صلى الله عليه وسلم ( لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك) فقال له عمر: (فإنك الآن والله أحب إليَّ من نفسي) فقال: الآن يا عمر – انتهى.
إن الإنسان أسير الإحسان،وقد جُبلت القلوب على حب من أحسن إليها، فإذا كان الإنسان يحب إنساناً آخر أسدى إليه معروفاً، أو أنقذه من مهلكة، أو منحه هدية، فكيف بهذا النبي الكريم، الذي أتى بالهداية، وبُعث بالرحمة، وعلم الكتاب والحكمة، وبين للناس سبيل النجاح، ودعا إلى الصراط المستقيم. لا بد أن محبته بعد محبة الله رب العالمين.
والمحبة الصادقة للرسول صلى الله عليه وسلم، التي يُثاب عليها، لها دلائل كثيرة منها:-
1 – اتباع سنته، واقتفاء سيرته، والتأسي به في كل ما جاء به عن ربه.
2 – الأخذ بقوله، والرضا بحكمه (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65].
3 – نشر شريعته بين الخلق، ورفع راية التوحيد، وتحطيم الوثنية ولو كانت في صورة تقديس الصالحين أو التقرب إليهم بما لم يأذن به الله.
4 – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
5 – التحلي بمكارم الأخلاق،والتخلي عن الرذائل لقوله صلى الله عليه وسلم ( بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
6 – نبذ القوانين الوضعية، واتخاذ القرآن الكريم والسنة النبوية المصدر الرئيسي للتشريع، فالمشرع هو الله وحده، وما الرسول إلا مبلغ عن ربه. وإذا كان الرسول لا يملك التشريع من عنده، فكيف بمن يضاهي رب الكون سبحانه، فيشرع للناس ما يخالف كتاب الله (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ؟) [الشورى: 21].
7 – توقيره صلى الله عليه وسلم واحترامه، فقد كان الصحابة رضى الله عنهم لا يكادون يملؤون عيونهم منه إجلالاً وتوقيراً، ولا يرفعون صوتهم فوق صوته.
8 – الصلاة والسلام عليه في المواضع التي وردت في السنة المطهرة، وخاصة بعد التشهد، وعقب الأذان، وعند دخول المسجد والخروج منه، وفي صلاة الجنازة، وفي خطب الجمعة والعيدين، والصلاة عليه كلما ذُكر، صلى الله عليه وسلم.
وعلى العموم تكون محبة النبي صلى الله عليه وسلم بالمأثور المشروع، وليست بالبدع الممنوعة كما يفعل أرباب الطرق والمداحون والمطربون من المؤذنين والمغنين والمغنيات. فتلك محبة زائفة مردودة على أصحابها، وليس لهم من الثواب عليها نصيب.
بعدة مولد النبي صلى الله عليه وسلم
من المحبة الكاذبة للرسول صلى الله عليه وسلم ما يحدثه أهل البدع، وأرباب الطرق، من المظاهر الكاذبة، والمواكب الصاخبة في مناسبة مولده، بحجة أن ذلك دليل على محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم . إن هذه المواكب التي تسير في شوارع القاهرة تضم أرباب الطرق، كل طريقة بأعلامها وطبولها، يترنحون يميناً وشمالاً بألفاظ منكرة، يدعون أنهم بذلك يذكرون الله تعالى على دق الطبول وأناشيد المنشدين – هذه المظاهر سبة في جبين الإسلام، وشعارات تشوه جلال الدين.
وفي المساء يلتقون في السرادقات الفخمة التي يختلط فيها الحابل بالنابل، ويشهدها بعض كبار علماء الدين، ومشايخ الطرق، إقراراً منهم بصحة هذا العمل، الذي لم يصدر من السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعي