الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

باب السنة

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب السنة
يقدمه
فضيلة الشيخ محمد على عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة
الغلو في العبادة
عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم. فلما أخبروا كأنهم تقالوها. فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فقال أحدهم: أما أنا أصلى الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا – أما واللَّه إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم له، لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى. (رواه البخاري).
معاني المفردات
الرهط: اسم جمع يقصد منه الجماعة من ثلاثة إلى عشرة.
تقالوها: بتشديد اللام من القلة أي أنهم حكموا على عبادتهم بأنها قليلة.
أخشاكم للَّه: أكثركم خشية وخوفًا من اللَّه تعالى:
أتقاكم للَّه: أكثركم تقوى. والمعنى المأثور للتقوى هي أن يطاع اللَّه فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى.
ما تقدم من ذنبه: أي الذنوب التي عملها. وهي في حق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من باب التكريم لأنه معصوم لم يرتكب إثمًا يستحق عليه العقاب.
وما تأخر: أي ما تأخر من أعمال كلف بها فلم يعملها. وهذا أيضا تكريم من اللَّه لنبيه لأنه لم يقصر في أي عمل كلفه اللَّه به.
المعنى
أنس بن مالك رضي اللَّه عنه، خادم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال عنه ابن حجر: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان عمر أنس عشر سنين. فأتت به أمه أم سليم رضي اللَّه عنها للرسول صلى الله عليه وسلم، وقالت يا رسول اللَّه هذا غلام يخدمك. فقبله صلى الله عليه وسلم.
قال أنس خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي لشيء صنعته لم صنعته ؟ ولا لشيء تركته لم تركته ؟ ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة. فكان له بستان يحمل الفاكهة في السنة مرتين، طال عمره حتى كان آخر من مات من الصحابة. فقد مات عن مائة سنة إلا سنة. وقد دعا له النبي فقال: اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه وأدخله الجنة. وكان من أكثر الناس رواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث الذي يرويه أنس يدل على أن الصحابة كانوا يتحرون عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، عملا بقول اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} فقد جاء ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم: على بن أبى طالب، وعبد اللَّه بن عمر، وعثمان بن مظعون رضي اللَّه عنهم، إلى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتحرون عن كيفية عبادته في بيته ومقدارها. ولما وقفوا على حقيقتها: أدركوا أنها لا تزيد عن عبادتهم التي تعودوها، ووجدوها قليلة بالنسبة إليهم. ولكن شأن رسول اللَّه غير شأنهم. فقد وعد اللَّه نبيه بمغفرة كاملة شاملة، تشمل ما تقدم من الذنوب وما تأخر منها، وهذه البشرى تغنيه عن كثرة العبادة ليلا، لما له من سمو المنزلة عند اللَّه تعالى. هذا فهمهم في رسول اللَّه عليه أتم الصلاة وأفضل التسليم.
فعادوا باللوم على أنفسهم، واتهموها بالتقصير في حق اللَّه تعالى، واعتقدوا أن عبادتهم لا تبلغهم إلى اللَّه زلفي، ولا إلى غفران ذنوبهم، كما غفر لرسوله صلى الله عليه وسلم. فعزموا على مداومة الطاعة والإكثار منها، والتزام كل منهم بنوع من الطاعة لا يحيد عنها: فعزم أحدهم على قيام الليل أبدا، ليجافي جنبه عن المضاجع، ولا يعطي نفسه حظها من النوم أو الراحة. وعزم الثاني على أن يداوم صيامه ولا يفطر، لأن الصوم يكسر شهوة النفس، ويكبح جماحها عما تشتهى، كما أنه يستشعر بالصوم الرفق بالضعفاء والرحمة بالمساكين. واعتزم الثالث على أن يترهب فيعتزل النساء لأن ذلك يشغله عن عبادة اللَّه تعالى، ولا يتفرغ لها تماما.
علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وهو الرحيم بالأمة (حيث أرسله اللَّه رحمة للعالمين) فبين لهم أن التقرب إلى اللَّه تعالى لا يكون بحرمان النفس مما أحل اللَّه تعالى، لأن خير الأعمال أدومها وإن قل. وإذا استمروا على إجهاد النفس بالعبادات تعرضوا للضعف والعجز ((وإن لبدنك عليك حقًّا)).
وكان بيان النبي صلى الله عليه وسلم عاما شاملا: إذ حمد اللَّه وأثنى عليه، ثم خطب في الناس موضحا أن لا رهبانية في الإسلام، وأنهم ينبغى أن يستمتعوا بما أحل اللَّه، وأن يترفقوا بأنفسهم. وكان من حسن أدب النبي صلى الله عليه وسلم، ألا يذكر أسماءهم مخافة التشهير بهم. فقال ما بال رجال يقولون كذا، دون الالتجاء إلى اللوم أو التوبيخ.
ثم أوضح النبي عليه الصلاة والسلام، أنه مع كثرة خشيته لله، ومع أنه أكثرهم تقى، فهو يصوم ويفطر، ويصلي وين

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا