بسم الله الرحمن الرحيم
باب التفسير
يقدمه: عنتر أحمد حشاد
2- سورة البقرة
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ*بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ)) [البقرة: 89-90].
كان اليهود في المدينة وما حولها – قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم – إذا قامت الحرب بينهم وبين المشركين أهل المدينة من الأوس والخزرج – يستنصرون بالنبي عليهم: يقولون لهم: قد أطل زمان نبي – نجد نعته في التوراة – يخرج بتصديق ما قلنا، سنتبعه، ونقتلكم به قتل عاد وإرم، فلما جاءهم هذا النبي المرتقب ومعه القرآن الكريم جحدوا نبوته، وكذبوا كتابه ((فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)) وضعوا الغلاف على قلوبهم ، وباعوا أنفسهم بالشهوات والأهواء، وكفروا بالله ورسوله، لا نزولاً على حجة، وإنما بغياً وحسداً، أن ينزل الله من فضله على من يشاء ((فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ)).
حسد اليهود الناس على ما آتاهم الله من فضله يجرهم إلى الكفر:
((وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (1) مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ (2) وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ(3) عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا (4) كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ (5) اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ(6)*بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ(7) أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا(8) أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا(9) بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ(10) وَلِلْكَافِرِينَ(11) عَذَابٌ مُهِينٌ(12))) [البقرة: 89-90].
روى المفسرون في سبب نزول الآية الأولى من هاتين الآيتين آثاراً متعددة، من ذلك ما جاء عن عاصم بن عمرو بن قتادة الأنصاري عن رجال من قومه (أهل المدينة) قالوا: مما دعانا إلى الإسلام – مع رحمة الله وهداه – أنا كنا نسمع من رجال يهود حين كنا أهل شرك وكانوا هم أهل كتاب، عندهم علم ليس عندنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فكنا إذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: قد تقارب زمان نبي، يُبعث الآن، نتبعه، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله محمداً – صلى الله عليه وسلم – رسولاً من عند الله أجبنا حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه، فآمنا به، ففينا وفيهم نزل قوله تعالى: ((وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ…)) الآية.
كان اليهود – قبل بعثة محمد ? – ينتظرون في لهفة ظهور النبي الذي أخبر به كتابهم، وذكر صفته، وكانوا يدعون في صلاتهم: ((ليأت النبي سريعاً فننتصر على الكافرين، ونستعيد مجدنا السليب)). وقد شهد أهل يثرب أنهم كانوا يعيشون في هذا التوقع والانتظار حتى أصبح قولهم: «ليستبد بنا الوثنيون كيف شاءوا فسنحاسبهم حين يأتي النبي» قولاً مشهوراً. وعلى هذا حين علم أهل المدينة بأمر محمد – عليه الصلاة والسلام – تذكروا كل ذلك، وتوقعوا أن يكون هو النبي الذي سمعوا عنه من اليهود، فسارعوا إلى الإيمان به وتصديقه كي لا يكون لليهود قصب السبق في هذا. وكان ذلك سبب أن استعصى على أذهان أهل يثرب فهم موقف اليهود الذين تحولوا – وهم الذين كانوا ينتظرونه في لهفة وشوق – إلى أشد معارضيه، بدلاً من أن يكونوا أول مؤازريه(13).
أما عن حقيقة أنهم عرفوا النبي عليه الصلاة والسلام فقد وردت في ذلك أدلة كثيرة، وأوثق دليل قول أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب إحدى زوجات الرسول – صلى الله عليه وسلم – وعمها أبو ياسر بن أخطب، وكان أبوها حيي، وعمها أبو ياسر من علماء اليهود، إذ تقول:
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ونزل قباء – غدا عليه أبي حيي بن أخطب، وعمي أبو ياسر بن أخطب، فلم يرجعا حتى كان مع غروب الشمس، فأتيا كالين، كسلانين، ساقطين، يمشيان الهويني، فهششت لهما، فو الله ما التفت إلى واحد منهما، مع ما بهما من الغم، وسمعت عمي أبا ياسر، وهو يقول لأبي:
س جـ
– أهو هو؟ – نعم والله.
– أتعرفه وتثبته؟ – نعم.
– فما في نفسك منه؟ – عداوته والله ما بقيت(14).
ومعنى الآيتين الكريمتين:
ولما جاء بني إسرائيل القرآن الموحي به من عند الله، إلى رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – المصدق لما معهم من التوراة الصحيحة، وكانوا – قبل البعث – إذا قامت الحرب بينهم وبين المشركين يستنصرون عليهم، فيخرجون التوراة، ويضعون أصابعهم على موضع ذكر الرسول – عليه ا