اليهود في كتبهم وفي القرآن الكريم
للأستاذ مصطفي برهام
لون آخر من ألوان الحرب ، إثارة الشكوك والشبهات حول كتاب اللَّه ، وسنة رسوله ، وكان هدفهم الرئيسى في ذلك زعزعة العقيدة ، وزلزلة الإيمان في قلوب المؤمنين ، وكان من وسائلهم في ذلك أن تعلن جماعات من اليهود إسلامها في أول النهار ، ثم يعودون إلى الارتداد جميعًا في آخر النهار لتشيع البلبلة وينتشر الشك حول دين اللَّه ، ولولا رحمة اللَّه ولطفه ، وحمايته لهذه الدعوة لحدث ما لا تحمد عقباه ، وفي هذا يقول اللَّه تعالى : { وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ أل عمران : 72 ] ، ويقول : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة : 109 ] .
عودة بعد ذلك إلى ما ورثوه من إثارة الفتن والأحقاد القديمة ، وإحياء التارات بين الأوس والخزرج بعد أن آخي الإسلام بينهما ، وأصبح المجتمع الإسلامى يعيش في ظل وحدة قوية ، تظلله العقيدة الراسخة ، ويتوجه الإيمان العميق ، وفي مكر ينفث شاس بن قيس أحد أحبارهم سموم حقده وغله بتذكير الأوس والخزرج وهو في صفاء بحروبهم القديمة ، وينشد أشعارهم التي تثير في نفوسهم حمية الجاهلية ، وينجح الشيطان للحظات قليلة ،وتتراص الصفوف ، وتجرد السيوف ، وتكاد الفتنة العارمة أن تحل ، ويوشك الشر المستطير أن يعم ، ويسرع الرسول ليحجز بين القوم وهو يصيح (( أترجعون بعدى كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ؟ أتثيرونها حمية جاهلية وعصبية وأنا بين ظهرانيكم وكتاب اللَّه ينزل عليكم )) ..وإذا بالفتنة تنكمش ، والشر يختفي .. ويعود الود والصفاء والمحبة ، ويتداركهم وحى اللَّه وهو يتعانقون ويبكون على استسلامهم لدس وخداع ذلك اليهودى العدو : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ . وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْرَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ .يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون.وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ آل عمران : 100-103 ] .
موقف آخر هو اتفاقهم على أن يسلم جماعة منهم في الظاهر وهو يبطنون الكفر، ليكونوا سوسًا ينخر في عظام الدولة الإسلامية وجواسيس لأعداء الإسلام ، فكانوا يتظاهرون بالصلاح والتقوى ، ويتسابقون إلى المسجد ، ولكن الوحى ينزل ليبين علاماتهم ، ويحدد أوصافهم وسماتهم ، ويفضح نياتهم في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ .هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ .إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } ( آل عمران : 118-120 ) .
ويصبر الرسول على كيدهم وأذاهم وفاء بما عاهدهم عليه ، حتى لم يعد في قوس الصبر منزع ، وهناك حدث الصدام العسكرى – وينتصر الإسلام على بنى النضير دون قتال ، ويلقى في قلوبهم الرعب ، فيجلون عن المدينة ، ويسجل اللَّه ذلك الحدث العظيم حيث يقول : { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُو