اليهود …
في كتبهم وفي القرآن الكريم
للأستاذ مصطفى برهام
إن أشد ما يؤلم النفس في ظروفنا الحاضرة أن نرى الكثرة الكثيرة من الأمة العربية التي امتهنت كرامتها ، واعتدى على حماها ، واغتصبت أجزاء عزيزة من أرضها لم ترتفع بعد إلى مستوى المعركة . وأن نرى أمورًا ثانوية ولا أقول تافهة تحتل تفكيرنا ، بينما قضايانا التربوية والاجتماعية والأخلاقية والمصيرية لا تزال تحتل مكانًا ثانويًا من تفكيرنا وعواطفنا ومشاعرنا ، ولقد آن الأوان لكل فرد في هذه الأمة صبيًا أو شيخًا ، رجلاً أو امرأة ، آن للجميع أن يوقنوا بأن لهم ثأرًا لا بد أن يدركوه ، وأن لهم عدوًا رهيبًا ماكرًا يجب أن يحذروه ، وأن يستعدوا له فيضحكوا بقدر ، ويفرحوا بقدر ، ويشعروا بفداحة الخطب الذي أصاب العروبة والإسلام في كيانهما المادي والأدبي يوم وقع في بلادنا ما وقع ، ويوم شرع أعداؤنا يقتسمون بلادنا كأنها تركة لا صاحب لها ، وكأننا أمة ضائعة تائهة لا تجمع أبناءها غاية ، ولا تظلهم حضارة ، ولا يربطهم هدف .
وأول الطريق أن نعرف أعداءنا .. نعرفهم من كتبهم التي بين أيدينا أولاً ، والتي تناولوها بالتحريف حتى صارت مسخًا مشوهًا لا ينبغي أن ينسب إلى اللَّه ، ونعرفهم من القرآن الكريم بعد ذلك وهو كتاب اللَّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والذي تحدث عنهم وعن تاريخهم حديثًا لو أننا وعيناه وفهمناه ثم التزمناه بما حواه من توجيهات وتعاليم لبدل اللَّه أحوالنا إلى أحسن ، ولتولى بقهره وقوته نصرنا وإعزازنا .
بنو إسرائيل في أسفار العهد القديم :
ففي سفر التكوين بعد ما بين أن اللَّه خلق الكون في ستة أيام ترى في الإصحاح الثاني 1- 3 أنهم ينسبون إلى اللَّه أنه تعب من عمله خلال الأيام الستة ، وأنه استراح في اليوم السابع (( أكملت السموات والأرض وكل جندها ، وفرغ اللَّه في اليوم السابع من عمله الذي عمل ، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل )) .
وفي الإصحاح الثالث 8- 11 ينسبون عدم المعرفة إلى اللَّه (( وسمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار ، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله وسط شجر الجنة ، فنادى الرب الإله آدم وقال له : أين أنت ، فقال : سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت ، فقال : من أعلمك أنك عريان ، هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها )) .
وفي الإصحاح السادس 5 – 7 ينسبون إلى اللَّه أنه حزن وتأسف (( ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض ، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم ، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه ، فقال الرب : أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته . الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء لأني حزنت أني عملتهم )) .
وفي الإصحاح الثاني والثلاثين 24- 29 يثبتون أن يعقوب صارع اللَّه وكاد أن يصرعه : (( فبقي يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر ، ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته ، وقال : أطلقني لأنه قد طلع الفجر ، فقال لا أطلقك إن لم تباركني ، فقال له : ما اسمك ؟ فقال : يعقوب ، فقال : لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل لأنك جاهدت مع اللَّه والناس وقدرت ، وسأل يعقوب وقال : أخبرني باسمك ، فقال : لماذا تسأل عن اسمي وباركه هناك )) .
هذه عقيدتهم في اللَّه أسوقها دون أي تعليق ، أما عقيدتهم في الأنبياء فهم يتهمون نوحًا عليه السلام في الإصحاح التاسع 20- 23 من سفر التكوين أنه كان سكيرًا ، وأنه عندما سكر تعرى وكشف عورته أمام أبنائه ، ويتهمون ابنتي لوط عليه السلام في الإصحاح التاسع عشر 30- 38 أنهما سقتا أباهما خمرًا واضطجعتا معه ، وأن كلا منهما حملت منه سفاحًا وولدت الكبرى ابنا دعته موآب ، وولدت الصغرى ابنا دعته بن عمى .
وفي الإصحاح الحادي عشر من سفر صموئيل الثاني 2 – 27 يتهمون داود عليه السلام بالزنا مع بتشيع بنت أليعام زوجة أوريا الحثى أحد قواده ويتهمونه بالخداع والغدر وهم يدعون أنه أصدر أوامره بأن يوضع أوريا في مقدمة الجيش ليضرب ويموت .
ولقد تحدثت عنهم التوراة فوصفتهم (( بأنهم الشعب الغليظ الرقبة )) كناية عن القسوة المتوارثة فيهم والعتو والاستعلاء والغرور ، وتحدث عنهم الإنجيل وقال عيسى عليه السلام عنهم : (( إنما بعثت لخراف بني إسرائيل الضالة )) إشارة إلى ضلالهم وبعدهم عن الحق والصواب ، وتحدث عنهم القرآن وما أبلغ حديث القرآن :{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ } [ المائدة : 60 ] .
بنو إسرئيل في القرآن
كلمة عامة :
إن بني إسرائيل في تناول القرآن الكريم لهم يحتاجون إلى فهمنا لهذا ا